الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ : حُرْمَةُ الْجَارِ عَظِيمَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ مَعْقُولَةٌ مَشْرُوعَةٌ مُرُوءَةً وَدِيَانَةً ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ﴾.
وَقَالَ :﴿ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ﴾.
" وَالْجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ : جَارٌ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُشْرِكُ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ : الْجَارُ الْمُسْلِمُ، وَجَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ : الْجَارُ الْمُسْلِمُ لَهُ الرَّحِمُ ".
وَهُمَا صِنْفَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ، وَأَبْعَدُهُ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا.
وَقِيلَ : الْبَعِيدُ مَنْ يَلِيكَ بِحَائِطٍ، وَالْقَرِيبُ مَنْ يَلِيكَ بِبَابِهِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ :﴿ إنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أَهْدِي ؟ قَالَ : إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكَ بَابًا ﴾.
وَحُقُوقُهُ عَشَرَةٌ يَجْمَعُهَا الْإِكْرَامُ، وَكَفُّ الْأَذَى.
وَمِنْ الْعَشَرَةِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ :﴿ لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ﴾.
وَقَدْ رَأَى جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَدْبًا لَا فَرْضًا، وَأَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ مَكْرُوهًا لَا مُحَرَّمًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ.
وَالْحَائِطُ يَحْتَاجُهُ صَاحِبُهُ ؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ نَقَصَ مَالُهُ، وَإِنْ أَعَارَهُ تَكَلَّفَ حِفْظَهُ بِالْإِشْهَادِ، وَأَضَرَّ بِنَفْسِهِ ؛ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْتَمِلَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ أَبَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ وِزْرٌ.


الصفحة التالية
Icon