الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ إنْ خِفْتُمْ ﴾ : فَشَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَوْفَ فِي الْقَصْرِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الشَّرْطِ الْمُتَّصِلِ بِالْفِعْلِ ؛ هَلْ يَقْتَضِي ارْتِبَاطُ الْفِعْلِ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ بِثُبُوتِهِ وَيَسْقُطَ بِسُقُوطِهِ ؟ فَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ، وَهُمْ نُفَاةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ بِاللُّغَةِ وَلَا بِالْكِتَابِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْمَحْصُولِ بَيَانًا شَافِيًا.
وَعَجَبًا لَهُمْ.
﴿ قَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :{ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ حِفْتُمْ ﴾ فَهَا نَحْنُ قَدْ أَمِنَّا.
قَالَ : عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ.
فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ : صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ.
} وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : إنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْحَضَرِ وَصَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ يَعْنِي نَجِدُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْنَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ ؛ فَهَذِهِ الصَّحَابَةُ الْفُصَّحُ، وَالْعَرَبُ تَعْرِفُ ارْتِبَاطَ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ، وَتُسْلِمُ فِيهِ وَتَعْجَب مِنْهُ، وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ الْعَرَبِ لِأَغْرَاضٍ صَحِيحَةٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِيهَا، فَلْيُنْظَرْ تَحْقِيقُهُ فِي كَلَامِنَا عَلَيْهِ.
وَلَقَدْ انْتَهَى الْجَهْلُ بِقَوْمٍ آخَرِينَ إلَى أَنْ قَالُوا : إنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ فِي قَوْلِهِ :﴿ مِنْ الصَّلَاةِ ﴾ وَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ :﴿ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وَإِنَّ الْوَاوَ زَائِدَةٌ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ ﴾ وَهَذَا كُلُّهُ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَيْهِ عُمَرُ وَلَا ابْنُهُ وَلَا يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ مَعَهُمَا.
وَفِي الصَّحِيحِ


الصفحة التالية
Icon