الْآيَةُ الْمُوَفِّيَةُ خَمْسِينَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ آيَةٌ بِكْرٌ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ فِيهَا ذِكْرٌ، وَاَلَّذِي عِنْدِي فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْإِخْلَاصُ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَوِيَ ظَاهِرُ الْمَرْءِ وَبَاطِنُهُ.
وَالثَّانِي : النَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
فَالنَّجْوَى خِلَافُ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، وَبَعْدَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ لِلْخَلْقِ مِنْ أَمْرٍ يَخْتَصُّونَ بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَيَخُصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بِصِفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ؛ وَالْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالسَّعْيِ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَفِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّجْوَى مَصْدَرًا، كَالْبَلْوَى وَالْعَدْوَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْمُنْتَجِينَ كَمَا قَالَ :﴿ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ﴾.
فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُنْتَجِينَ فَقَوْلُهُ :﴿ إلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾ اسْتِثْنَاءُ شَخْصٍ مِنْ شَخْصٍ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى حَذْفِ تَقْدِيرِهِ : إلَّا نَجْوَى مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ.


الصفحة التالية
Icon