الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَامْسَحُوا ﴾ : الْمَسْحُ : عِبَارَةٌ عَنْ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى الْمَمْسُوحِ خَاصَّةً، وَهُوَ فِي الْوُضُوءِ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْآلَةِ الْمَمْسُوحِ بِهَا، وَالْغَسْلُ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْمَغْسُولِ ؛ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ اللُّغَةِ، وَبَيَانُهُ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ بِرُءُوسِكُمْ ﴾ : وَالرَّأْسُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا النَّاسُ ضَرُورَةً، وَمِنْهَا الْوَجْهُ، فَلَمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْوُضُوءِ وَعَيَّنَ الْوَجْهَ لِلْغَسْلِ بَقِيَ بَاقِيهِ لِلْمَسْحِ.
وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ أَوَّلًا فِيهِ لَلَزِمَ مَسْحُ جَمِيعِهِ : مَا عَلَيْهِ شَعْرٌ مِنْ الرَّأْسِ، وَمَا فِيهِ الْعَيْنَانِ وَالْأَنْفُ وَالْفَمُ ؛ وَهَذَا انْتِزَاعٌ بَدِيعٌ مِنْ الْآيَةِ.
وَقَدْ أَشَارَ مَالِكٌ إلَى نَحْوِهِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَتْرُكُ بَعْضَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ ؟ فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ تَرَكَ بَعْضَ وَجْهِهِ أَكَانَ يُجْزِئُهُ ؟ وَمَسْأَلَةُ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ مُعْضِلَةٌ، وَيَا طَالَمَا تَتَبَّعْتهَا لِأُحِيطَ بِهَا حَتَّى عَلَّمَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ إيَّاهَا ؛ فَخُذُوهَا مُجْمَلَةً فِي عِلْمِهَا، مُسَجَّلَةً بِالصَّوَابِ فِي حُكْمِهَا ؛ وَاسْتِيفَاؤُهَا فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ إنْ مَسَحَ مِنْهُ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ.
الثَّانِي : ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ.
الثَّالِثُ : مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.
ذَكَرَ لَنَا هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ فِي الدَّرْسِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
الرَّابِعُ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَمْسَحُ النَّاصِيَةَ.
الْخَامِسُ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنَّ الْفَرْضَ أَنْ يَمْسَحَ الرُّبْعَ.
السَّادِسُ : قَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ الثَّالِثَةِ : لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ النَّاصِيَةَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعٍ.
السَّابِعُ :