الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ :﴿ أَنَّهُ أَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ﴾.
وَفِي الْبُخَارِيِّ :﴿ فَأَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ ﴾ ؛ وَهُمَا صَحِيحَانِ مُتَوَافِقَانِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ ؛ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِابْتِدَائِهِ وَبِغَايَتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحُ لِرَأْسِهِ بِيَدَيْهِ، فَلَوْ مَسَحَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ سُفْيَانَ : حَتَّى لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ لَأَجْزَأَهُ ؛ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ هَيْئَةَ الْأَفْعَالِ فِي الْعِبَادَاتِ هَلْ هِيَ رُكْنٌ فِيهَا أَمْ لَا ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : مِنْهَا مَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعِبَادَةِ كَأَصْلِهَا.
وَالثَّانِي : كَوَضْعِ الْإِنَاءِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُتَوَضِّئِ.
وَالثَّالِثُ : كَاغْتِرَافِ الْمَاءِ بِالْيَدِ وَغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْهَيْئَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ تَفْسِيرُ الْأَمْرِ، وَهُوَ أَوْلَى فِي التَّعْمِيمِ، وَأَقْرَبُ إلَى التَّحْصِيلِ ؛ لِأَنَّ مَا فَاتَهُ فِي الْإِقْبَالِ أَدْرَكَهُ فِي الْإِدْبَارِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : لَمَّا قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّ جَمِيعَ الرَّأْسِ أَصْلٌ فِي إيجَابِ عُمُومِهِ، وَكَانَتْ الْجَبْهَةُ خَارِجَةً عَنْهُ بِالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْخِلْقَةِ، نَشَأَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْأَصْلَعِ وَالْأَنْزَعِ مِنْ الْأَغَمِّ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَسَائِلِ ؛ وَحُكْمُهُ الْأَظْهَرُ أَنْ يَمْسَحَ مِنْ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْعَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْمِيمِ.