الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ : ثَبَتَتْ الْقِرَاءَةُ فِيهَا بِثَلَاثِ رِوَايَاتٍ : الرَّفْعُ، قَرَأَ بِهِ نَافِعٌ، رَوَاهُ عَنْهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ وَالْحَسَنِ.
وَالنَّصْبُ، رَوَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَالَ : قَرَأَ عَلَيَّ الْحَسَنُ أَوْ الْحُسَيْنُ فَقَرَأَ قَوْلَهُ :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ فَسَمِعَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، وَكَانَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ : وَأَرْجُلَكُمْ بِالنَّصْبِ، هَذَا مِنْ مُقَدَّمِ الْكَلَامِ وَمُؤَخَّرِهِ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَرَأَ أَنَسٌ وَعَلْقَمَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِالْخَفْضِ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ لِأَنَسٍ : يَا أَبَا حَمْزَةَ، إنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَنَا بِالْأَهْوَازِ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَذَكَرَ الطَّهُورَ، فَقَالَ : اغْسِلُوا حَتَّى ذَكَرَ الرِّجْلَيْنِ وَغَسَلَهُمَا وَغَسَلَ الْعَرَاقِيبَ وَالْعَرَاقِبَ، فَقَالَ أَنَسٌ : صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ الْحُجَّاجُ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ قَالَ : فَكَانَ أَنَسٌ إذَا مَسَحَ قَدَمَيْهِ بَلَّهُمَا وَقَالَ : نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْمَسْحِ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْغَسْلِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ افْتَرَضَ اللَّهُ مَسْحَيْنِ وَغَسْلَيْنِ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ.
وَقَالَ : مَا كَانَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ جُعِلَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَسْحُ أُسْقِطَ.
وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَجَعَلَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالرِّوَايَتَيْنِ فِي الْخَبَرِ يُعْمَلُ بِهِمَا إذَا لَمْ يَتَنَاقَضَا.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَطَفَ الرِّجْلَيْنِ عَلَى الرَّأْسِ، فَقَدْ يُنْصَبُ عَلَى خِلَافِ إعْرَابِ الرَّأْسِ أَوْ يُخْفَضُ مِثْلُهُ ؛ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَأَصْحَابِهِ رُءُوسُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ لُغَةً وَشَرْعًا.
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُحْتَمَلَةٌ لُغَةً مُحْتَمَلَةٌ شَرْعًا، لَكِنْ