الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ : وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ بِالنَّصْبِ، وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ هِيَ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْي فِي هَذَا النَّصْبُ ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْكَلَامِ تَقَدُّمَ الْفِعْلَ، وَهُوَ فِيهِ أَوْجَبُ، وَإِنَّمَا قُلْت زَيْدًا ضَرَبَهُ، وَاضْرِبْهُ مَشْغُولُهُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضْمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ.
قَالَ الْقَاضِي : أَصْلُ الْبَابِ قَدْ أَحْكَمْنَاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ، وَنُخْبِتُهُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ وَمَفْعُولِ، فَإِذَا أَخْبَرْت بِهِمْ أَوْ عَنْهُمْ خَبَرًا غَرِيبًا كَانَ عَلَى سِتِّ صِيَغٍ : الْأُولَى : ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا.
الثَّانِيَةُ : زَيْدٌ ضَرَبَ عَمْرًا.
الثَّالِثَةُ : عَمْرًا ضَرَبَ زَيْدٌ.
الرَّابِعَةُ : ضَرَبَ عَمْرًا زَيْدٌ.
الْخَامِسَةُ : زَيْدٌ عَمْرًا ضَرَبَ.
السَّادِسَةُ : عَمْرًا زَيْدٌ ضَرَبَ.
فَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ نَظْمٌ مُهْمَلٌ لَا مَعْنَى لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَجَاءَ مِنْ هَذَا جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ، كَمَا جَازَ تَقَدُّمُ الْفَاعِلِ، بَيْدَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمْت الْمَفْعُولَ بَقِيَ بِحَالِهِ إعْرَابًا، فَإِذَا قَدَّمْت الْفَاعِلَ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِّ فِي الْإِعْرَابِ، وَبَقِيَ الْمَعْنَى الْمُخْبَرُ عَنْهُ، وَحَدَثَ فِي تَرْتِيبِ الْخَبَرِ مَا أَوْجَبَ تَغْيِيرَ الْإِعْرَابِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمَّى الِابْتِدَاءُ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَى هَذَا الْبَابِ الْأَدَوَاتُ الَّتِي وُضِعَتْ لِتَرْتِيبِ الْمَعَانِي وَهِيَ كَثِيرَةٌ أَوْ الْمَقَاصِدِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي التَّغْيِيرِ، وَمِنْهَا وَضْعُ الْأَمْرِ مَوْضِعَ الْخَبَرِ، تَقُولُ : اضْرِبْ زَيْدًا.
وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ اسْتِدْعَاءَ إيقَاعِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ هُنَالِكَ فَاعِلٌ سَقَطَ فِي إسْنَادِ الْفِعْلِ، وَثَبَتَ فِي تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ وَارْتِبَاطِهِ، وَتَكُونُ لَهُ صِيغَتَانِ : إحْدَاهُمَا هَذِهِ.
وَالثَّانِيَةُ : زَيْدًا اضْرِبْ، كَمَا كَانَ فِي الْخَبَرِ ؛ وَلَا يُتَصَوَّرُ


الصفحة التالية
Icon