الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ الْأَوْلَيَانِ ﴾ وَهَذَا فَصْلٌ مُشْكِلُ الْمَعْنَى مُشْكِلُ الْإِعْرَابِ، كَثُرَ فِيهِ الِاخْتِلَاطُ : أَمَّا إعْرَابُهُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي " يَقُومَانِ " وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : فَالْأَوْلَيَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَوَّلَيْنِ.
وَهَذَا حَسَنٌ ؛ لَكِنَّهُ فِيهِ رَدُّ الْبَعِيدِ إلَى الْقَرِيبِ فِي الْبَدَلِيَّةِ بَعْدَمَا حَالَ بَيْنَهُمَا مِنْ طَوِيلِ الْكَلَامِ، وَيَكُونُ فَاعِلُ " اُسْتُحِقَّ " بِضَمِّ التَّاءِ مُضْمَرًا تَقْدِيرُهُ الْحَقُّ أَوْ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْإِيصَاءُ أَوْ الْمَالُ.
وَقِيلَ : فَاعِلُ اُسْتُحِقَّ عَائِدٌ عَلَى الْإِثْمِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الْغُرْمُ لِلْمَالِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
الثَّانِي : أَنَّ " الْأَوْلَيَانِ " فَاعِلٌ بِاسْتُحِقَّ، يُرِيدُ الْأَوْلَيَانِ بِالْيَمِينِ بِأَنْ يُحَلِّفَا مَنْ يَشْهَدُ بَعْدَهُمَا، فَإِنْ جَازَتْ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّينَ كَانَ الْأَوْلَيَانِ النَّصْرَانِيِّينَ، وَالْآخَرَانِ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ أَهْلِ الْمَيِّتِ.
هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ.
وَلَا أَقُولُ بِهِ ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا : مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوَّلُ وَبِالْحَقِّ.
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ : آخَرَانِ.
الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مُقَدَّمٌ، تَقْدِيرُهُ فَالْأَوْلَيَانِ آخَرَانِ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ، وَأَكْمَلْنَا تَقْدِيرَ الْآيَةِ فِيهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ حَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ فَيُرْجَعُ إلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَرَأَ حَفْصٌ اسْتَحَقَّ بِمَعْنَى حَقَّ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ الْغَرِيبِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ :﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ فَقِيلَ فِيهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ أَيْ فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ.
وَهَذَا كَثِيرٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ : مَعْنَاهُ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾.
وَهَذِهِ دَعَاوَى


الصفحة التالية
Icon