الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : فَإِنْ قِيلَ : تَحَقَّقَ لَنَا مَعْصِيَتُهُمْ.
قُلْنَا : فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : إسْرَاعُهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْإِحْلَالِ.
الثَّانِي : اخْتِيَارُهُمْ الْفِدَاءَ قَبْلَ الْإِثْخَانِ فِي الْقَتْلِ.
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ لَهُمْ :﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ فَأُمِرُوا بِالْقَتْلِ فَاخْتَارُوا الْفِدَاءَ.
قُلْنَا : أَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فَضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُبَرِّرَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بَعْدَهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِمُحْتَمَلٍ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَهُمَا ؛ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَهُمْ فِيهِ ؛ فَمَالُوا إلَى الْفِدَاءِ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْفَتِهِمْ بِالْكُفَّارِ مَعَ إغْلَاظِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَالْإِذَايَةِ وَالْإِخْرَاجِ، وَإِلَى تَحْقِيقِ الْمَعْصِيَةِ إلَى تَأْخِيرِهِمْ الْقَتْلَ حَتَّى نَزَلَ الْعَفْوُ.
فَإِنْ قِيلَ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : فَقَدْ اخْتَارَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَعَهُمْ، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ ذَنْبًا مِنْهُ قُلْنَا : كَذَلِكَ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ، فَقَالَ : إنَّهُ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فِيهِ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، إنَّمَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَقُّفٌ وَانْتِظَارٌ، وَلَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ لِيَفُوتَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا الصَّنَادِيدَ، وَأَثْخَنُوا فِي الْأَرْضِ، فَانْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ ذَلِكَ كَافٍ فِيهِ أَمْ لَا ؟ وَهَذَا بَيِّنٌ عِنْدَ الْإِنْصَافِ.


الصفحة التالية
Icon