الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ :﴿ وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ ﴾ : يُرِيدُ إنْ دَعَوْا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ عَوْنَكُمْ بِنَفِيرٍ أَوْ مَالٍ لِاسْتِنْقَاذِهِمْ، فَأَعِينُوهُمْ ؛ فَذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَرْضٌ، إلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ، فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عَلَيْهِمْ [ يُرِيدُ ] حَتَّى يَتِمَّ الْعَهْدُ أَوْ يُنْبَذَ عَلَى سَوَاءٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : أَمَّا قَوْلُهُ :﴿ أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ : يَعْنِي فِي النُّصْرَةِ أَوْ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، فَلَا يُبَالَى بِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِ :﴿ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى عُصْبَةٍ ذَكَرٍ ﴾.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾ : فَإِنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي النُّصْرَةِ وَالْمِيرَاثِ ؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ عَلَى إيمَانِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعْتَدًّا لَهُ بِهِ، وَلَا مُثَابًا عَلَيْهِ حَتَّى يُهَاجِرَ.
ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَالْمِيرَاثِ بِالْقَرَابَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ السَّلَامِ ؛ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْهِجْرَةِ بِالسَّنَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا أُسَرَاءَ مُسْتَضْعَفِينَ ؛ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ، وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ بِالْبَدَنِ بِأَلَّا يَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى نَخْرُجَ إلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ كَذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ : فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَا حَلَّ بِالْخَلْقِ فِي تَرْكِهِمْ إخْوَانَهُمْ فِي أَسْرِ الْعَدُوِّ، وَبِأَيْدِيهِمْ خَزَائِنُ الْأَمْوَالِ وَفُضُولُ الْأَحْوَالِ وَالْعُدَّةُ وَالْعَدَدُ، وَالْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ.