الْآيَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى ﴿ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَطَعَ اللَّهُ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، وَجَعَلَ الْكَافِرِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، وَجَعَلَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، يَتَنَاصَرُونَ بِدِينِهِمْ، وَيَتَعَامَلُونَ بِاعْتِقَادِهِمْ.
وَفِي الصَّحِيحِ :﴿ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَمِثْلِ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى سَائِرُهُ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ ﴾.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فِي الْمِيرَاثِ ؛ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ﴾.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾.
وَقَالَ بَعْد هَذَا :﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :﴿ إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ ﴾ : يَعْنِي بِضَعْفِ الْإِيمَانِ وَغَلَبَةِ الْكُفْرِ ؛ وَهَذِهِ هِيَ الْفِتْنَةُ وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا أَمْرٌ بِالْخُرُوجِ عَنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِيمَانِ، وَهِيَ الْهِجْرَةُ.