الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلَهُمْ قُلْت لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ : أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى قَبُولِ عُذْرِ الْمُعْتَذِرِ بِالْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ عَنْ التَّخَلُّفِ فِي الْجِهَادِ إذَا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ صِدْقُ الرَّغْبَةِ، مَعَ دَعْوَى الْمُعْجِزَةِ، كَإِفَاضَةِ الْعَيْنِ، وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ ؛ لِقَوْلِهِ :﴿ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ ﴾ الْآيَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْفَقِيرَ الْخُرُوجُ فِي الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ تَعْوِيلًا عَلَى النَّفَقَةِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ، حَاشَا مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا دُونَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ : إنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَادَةً لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ عَلَى الْعَادَةِ ؛ وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ عَلَيْهِ تَوَجُّهَهُ عَلَيْهِ، وَلَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ التَّرْدِيدَ ؛ فَالْأَوَّلُ كَمَنْ يَمُرُّ عَلَى دَارٍ قَدْ عَلَا فِيهَا النَّعْيُ، وَخُمِشَتْ فِيهَا الْخُدُود، وَحُلِقَتْ الشُّعُورُ، وَسَلَقَتْ الْأَصْوَاتُ، وَخُرِقَتْ الْجُيُوبُ، وَنَادَوْا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ بِالثُّبُورِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَكَدُمُوعِ الْأَيْتَامِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ :﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ وَهُمْ الْكَاذِبُونَ، وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهَا قَرَائِنُ يُسْتَدَلُّ بِهَا فِي الْغَالِبِ، وَتَنْبَنِي عَلَيْهَا الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى ظَوَاهِرِ الْأَحْوَالِ وَغَالِبِهَا.


الصفحة التالية