الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : خَلَقَهَا اللَّهُ عُدَّةً لِلْخَلْقِ، يَأْوُونَ إلَيْهَا، وَيَتَحَصَّنُونَ بِهَا، وَيَعْتَزِلُونَ الْخَلْقَ فِيهَا، فَقَدْ ﴿ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَبَّدُ بِغَارِ حِرَاءٍ، وَيَمْكُثُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ خَرَجَ مُهَاجِرًا إلَى رَبِّهِ، هَارِبًا مِنْ قَوْمِهِ، فَارًّا بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَاسْتَحْصَنَ بِغَارِ ثَوْرٍ، وَأَقَامَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ مَعَ الصِّدِّيقِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَمْضَى هِجْرَتَهُ، وَأَنْفَذَ عَزْمَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى دَارِ هِجْرَتِهِ ﴾.
وَقَدْ قِيلَ : أَرَادَ بِهِ السَّهْلَ وَالْجِبَالَ، وَلَكِنَّهُ حَذَفَ أَحَدَهُمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : وَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا مُبْتَغِيهِ أَمْ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي وَكَمَا قَالَ فِي الْحَرِّ بَعْدَ هَذَا :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ ﴾ أَرَادَ وَالْبَرْدَ، فَحُذِفَ ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ.