الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : لَمَّا سَمَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكُفْرِ بِهِ، وَهُوَ أَصْلُ الشَّرِيعَةِ، عِنْدَ الْإِكْرَاهِ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ بِهِ، حَمَلَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ، فَإِذَا وَقَعَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَاءَ الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ :﴿ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ﴾.
وَالْخَبَرُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهُ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلَ : مِنْهَا : قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْدَمْ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الرِّضَا، وَلَيْسَ وُجُودُهُ بِشَرْطٍ فِي الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ.
وَهَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ، رَاضٍ بِهِ وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ﴾.
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْقَتْلِ إذَا قَتَلَ يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ ظُلْمًا اسْتِبْقَاءً لِنَفْسِهِ، فَقُتِلَ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ الْجَمَاعَةُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَحْنُونٌ : لَا يُقْتَلُ، وَهِيَ عَثْرَةٌ مِنْ سَحْنُونٍ وَقَعَ فِيهَا بِأَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ الَّذِي تَلَقَّفَهَا عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْعِرَاقِ، وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ، وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيَ نَفْسَهُ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :﴿ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَثْلَمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ ﴾.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا.
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ : تَكُفَّهُ عَنْ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرُك إيَّاهُ ﴾
.


الصفحة التالية
Icon