الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ : الزِّينَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ : خِلْقِيَّةٌ، وَمُكْتَسَبَةٌ.
فَالْخِلْقِيَّةُ وَجْهُهَا فَإِنَّهُ أَصْلُ الزِّينَةِ وَجَمَالُ الْخِلْقَةِ، وَمَعْنَى الْحَيَوَانِيَّةِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَطُرُقِ الْعُلُومِ وَحُسْنِ تَرْتِيبِ مَحَالِّهَا فِي الرَّأْسِ، وَوَضْعِهَا وَاحِدًا مَعَ آخَرَ عَلَى التَّدْبِيرِ الْبَدِيعِ.
وَأَمَّا الزِّينَةُ الْمُكْتَسَبَةُ فَهِيَ مَا تُحَاوِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي تَحْسِينِ خَلْقِهَا بِالتَّصَنُّعِ : كَالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَالْكُحْلِ وَالْخِضَابِ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ يَعْنِي الثِّيَابَ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ : يَأْخُذْنَ زِينَتَهُنَّ أَحْسَنَ مَا تَرَى وَإِذَا عَطِلْنَ فَهُنَّ خَيْرُ عَوَاطِلِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ اعْلَمُوا عَرَّفَكُمْ اللَّهُ الْحَقَائِقَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَابِلَةِ الَّتِي يَقْتَضِي أَحَدُهَا الْآخَرَ، وَهُوَ الْبَاطِنُ هَاهُنَا، كَالْأَوَّلِ مَعَ الْآخَرِ، وَالْقَدِيمِ مَعَ الْحَدِيثِ، فَلَمَّا وَصَفَ الزِّينَةَ بِأَنَّ مِنْهَا ظَاهِرًا دَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَالِكَ بَاطِنًا.
وَاخْتُلِفَ فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا الثِّيَابُ يَعْنِي أَنَّهَا يَظْهَرُ مِنْهَا ثِيَابُهَا خَاصَّةً ؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الثَّانِي : الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرُ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ.
وَهُوَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِمَعْنًى، لِأَنَّ الْكُحْلَ وَالْخَاتَمَ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَرَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ هِيَ الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ يَقُولُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كُحْلٌ أَوْ خَاتَمٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَجَبَ سَتْرُهَا، وَكَانَتْ مِنْ الْبَاطِنَةِ.
فَأَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ فَالْقُرْطُ وَالْقِلَادَةُ وَالدُّمْلُجِ وَالْخَلْخَالِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ