الْآيَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اُخْتُلِفَ فِي الْبُيُوتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا الْمَسَاجِدُ ؛ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ.
الثَّانِي : أَنَّهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
الثَّالِثُ : أَنَّهَا سَائِرُ الْبُيُوتِ ؛ قَالَهُ عِكْرِمَةُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :( تُرْفَعُ ) : فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : تُبْنَى، كَمَا قَالَ :﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ﴾.
قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
الثَّانِي : تُطَهَّرُ مِنْ الْأَنْجَاسِ وَالْأَقْذَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِي ﴾.
الثَّالِثُ : أَنْ تُعَظَّمَ ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَاهَا تُبْنَى فَهُوَ مُتَمَعِّنٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلُ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ﴾.
وَمَنْ قَالَ : إنَّهَا تُطَهَّرُ مِنْ الْأَقْذَارِ وَالْأَنْجَاسِ فَذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ الْمَسْجِدَ لِيَنْزَوِيَ مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ مِنْ النَّارِ ﴾.
وَهَذَا فِي النَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ، فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهَا ؟ وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا تُرْفَعُ فَالرَّفْعُ حِسًّا كَالْبِنَاءِ، وَحُكْمًا كَالتَّطْهِيرِ وَالتَّنْظِيفِ، وَكَمَا تَطْهُرُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مُطَهَّرَةٌ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، لِقَوْلِهِ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا، ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَ لِنُورِهِ بِالزَّيْتِ الَّذِي يَتَوَقَّدُ مِنْهُ الْمِصْبَاحُ فِي الْبُقْعَةِ الْمُكَرَّمَةِ، وَهِيَ الْمَسَاجِدُ، تَتْمِيمًا لِتَشْرِيفِ الْمَثَلِ بِالْمَثَلِ وَجَلَالِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ جُمَلًا


الصفحة التالية
Icon