الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ﴿ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ﴾ اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ كَلِمَةَ " بَعْدُ " ظَرْفٌ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ هَاهُنَا، لِمَا اُقْتُرِنَ بِهِ مِنْ الْحَذْفِ، فَصَارَ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ كَأَنَّهُ بَعْضُ كَلِمَةٍ، فَرُبِطَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ لِيَتَبَيَّنَ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ الْمَحْذُوفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ مَنْ عِنْدَك، مِنْهُنَّ اللَّوَاتِي اخْتَرْنَك عَلَى الدُّنْيَا فَقُصِرَ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَجْلِ اخْتِيَارِهِنَّ لَهُ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي : مِنْ بَعْدِ مَا أَحْلَلْنَا لَك، وَهِيَ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ ؛ قَالَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ.
الثَّالِثُ : لَا يَحِلُّ لَك نِكَاحُ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ ؛ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي التَّنْقِيحِ : أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَك نِكَاحُ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ فَدَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أُبَيٍّ، وَحَكَمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ مَا أَحْلَلْنَا لَك مِنْ أَزْوَاجِك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ قَرَابَتَك الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ، وَالْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا بَقِيَ عَلَى التَّحْرِيمِ مَنْ عَدَاهُنَّ.
وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيٍّ، وَيَقْوَى فِي النَّفْسِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ : لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَكَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَحَلَّ لَهُ النِّسَاءَ حَتَّى الْمَوْتِ قُصِرَ عَلَيْهِنَّ كَمَا قُصِرْنَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ