الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ الْعَمَّ فِيهَا وَلَا الْخَالَ ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لِأَبْنَائِهِمَا.
وَقِيلَ : لَمْ يَذْكُرْهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا قَائِمَانِ مَقَامَ الْأَبَوَيْنِ، بِدَلِيلِ نُزُولِهِمَا مَنْزِلَتَهُمَا فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَالَ : إنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ مَعَ النِّسَاءِ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : مَنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا.
وَالثَّانِي : مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، لِابْنِهِ، كَالْأَخِ وَالْجَدِّ وَالْحَفِيدِ.
وَالثَّالِثُ : مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، وَيَجُوزُ لِوَلَدِهِ، كَالْعَمِّ وَالْخَالِ، بِحَسْبِ مَنْزِلَتِهِمْ مِنْهَا فِي الْحُرْمَةِ.
فَمَنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا وَيَجُوزُ لِوَلَدِهِ جَازَ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا خَاصَّةً، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ رُؤْيَةُ زِينَتِهَا.
وَمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا لِوَلَدِهِ جَازَ الْوَضْعُ لِجِلْبَابِهَا وَرُؤْيَةُ زِينَتِهَا.
وَهَذَا التَّقْسِيمُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ فِي الْآيَةِ هُوَ فِي وَضْعِ الْجِلْبَابِ.
فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ لَمْ يَصِحَّ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ وَضْعِ الْجِلْبَابِ فِي سُورَةِ النُّورِ، وَحُكْمَ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ بِمَا يُغْنِي بَيَانُهُ عَنْ إعَادَتِهِ.