الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي تَحْقِيقِ اسْمِ الْخَمْرِ وَمَعْنَاهُ : وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْخَمْرَ شَرَابٌ يُعْتَصَرُ مِنْ الْعِنَبِ خَاصَّةً، وَمَا اُعْتُصِرَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ كَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا يُقَالُ لَهُمَا نَبِيذٌ ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ.
الثَّانِي : أَنَّ الْخَمْرَ كُلُّ شَرَابٍ مَلَذٌّ مُطْرِبٌ، قَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ ؛ وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ لَهَا خَطْمٌ وَلَا أَزْمَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ، وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا.
وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى الْأَئِمَّةُ أَنَّ أَنَسًا قَالَ :" حُرِّمَتْ الْخَمْرُ يَوْمَ حُرِّمَتْ وَمَا بِالْمَدِينَةِ خَمْرُ الْأَعْنَابِ إلَّا قَلِيلٌ، وَعَامَّةُ خَمْرِهَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ ".
خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى رِوَايَةٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ إذْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ خَمْرُ عِنَبٍ ؛ وَإِنَّمَا كَانُوا يَشْرَبُونَ خَمْرَ النَّبِيذِ، فَكَسَرُوا دِنَانَهُمْ، وَبَادَرُوا الِامْتِثَالَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ خَمْرٌ.
وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ :" إنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ نَزَلَ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ : الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ ".
وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْقَوْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ اشْتِقَاقًا وَأُصُولًا وَقُرْآنًا وَأَخْبَارًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْمَيْسِرُ : مَا كُنَّا نَشْتَغِلُ بِهِ بَعْدَ أَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَا حَرَّمَ اللَّهُ فِعْلَهُ وَجَهِلْنَاهُ حَمِدْنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَشَكَرْنَاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : هَلْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَمْ لَا ؟ قَالَ الْحَسَنُ : حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَالَتْ الْجَمَاعَةُ : حُرِّمَتْ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ حَرَّمَتْهَا.


الصفحة التالية
Icon