سُورَة الْمُرْسَلَاتِ [ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ ] وَهِيَ مِنْ غَرَائِبِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ؛ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الْأَرْضِ.
وَرَوَى الصَّحِيحَانِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :﴿ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ، فَنَزَلَتْ :{ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴾ فَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً إذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحْرِهَا، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا.
} الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا ﴾ : فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْكِفَاتُ : الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، يُقَالُ : كَفَتَهُ يَكْفِتُهُ كَفْتًا وَكِفَاتًا مِثْلُ كَتَبَ يَكْتُبُ كَتْبًا وَكِتَابًا، أَيْ يَجْمَعُهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَكُلُّ شَيْءٍ ضَمَمْته فَقَدْ كَفَتَّهُ، فَإِذَا حَلَّ الْعَبْدُ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ كِفَاتُهُ، وَهُوَ مَنْزِلُهُ، وَهُوَ دَارُهُ، وَهُوَ حِرْزُهُ، وَهُوَ حَرِيمُهُ، وَهُوَ حِمَاهُ، كَانَ يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ﴿ صَفْوَانَ قَالَ : كُنْت نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي بِثَمَنِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ؛ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي، فَأَخَذَ الرَّجُلَ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ لِيُقْطَعَ قَالَ : فَقُلْت لَهُ : أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، أَنَا أَبِيعُهُ إيَّاهَا، وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا.
قَالَ : هَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ، فَكَانَتْ نَفْسُهُ حِيَازَةَ مَوْضِعِهِ وَحِرْزِهِ وَحَرِيمِهِ وَمَنَعَتِهِ وَحِصْنِهِ.
﴾