سُورَةُ الْبَلَدِ [ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ : فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي قِرَاءَتِهَا : قَرَأَ الْحَسَنُ، وَالْأَعْمَشُ، وَابْنُ كَثِيرٍ : لَأُقْسِمُ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ زَائِدَةٍ عَلَى اللَّامِ إثْبَاتًا.
وَقَرَأَهَا النَّاسُ بِالْأَلِفِ نَفْيًا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ النَّاسُ إذَا كَانَ حَرْفُ " لَا " مَخْطُوطًا بِأَلِفٍ عَلَى صُورَةِ النَّفْيِ، هَلْ يَكُونُ الْمَعْنَى نَفْيًا كَالصُّورَةِ أَمْ لَا ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : تَكُونُ صِلَةً فِي اللَّفْظِ، كَمَا تَكُونُ " مَا " صِلَةً فِيهِ ؛ وَذَلِكَ فِي حَرْفِ " مَا " كَثِيرٌ ؛ فَأَمَّا حَرْفُ لَا فَقَدْ جَاءَتْ [ كَذَلِكَ ] فِي قَوْلِ الشَّاعِر : تَذَكَّرْت لَيْلَى فَاعْتَرَتْنِي صَبَابَةٌ وَكَادَ ضَمِيرُ الْقَلْبِ لَا يَتَقَطَّعُ أَيْ يَتَقَطَّعُ، وَدَخَلَ حَرْفُ " لَا " صِلَةً.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ :[ يَكُونُ ] تَوْكِيدًا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : لَا وَاَللَّهِ، وَكَقَوْلِ أَبِي كَبْشَةَ [ امْرِئِ الْقَيْسِ ] : فَلَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ الْعَامِرِيِّ لَا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنِّي أَفِرُّ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهَا رَدٌّ لِكَلَامِ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْقَسَمَ ؛ فَقَالَ : أُقْسِمُ، لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَ الْيَمِينِ الْمُبْتَدَأَةِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ الَّتِي تَكُونُ رَدًّا ؛ قَالَهُ الْفَرَّاءُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَمَّا كَوْنُهَا صِلَةً فَقَدْ ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ :﴿ مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُك ﴾ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَنَّهُ صِلَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي ص :﴿ مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت ﴾ وَالنَّازِلَةُ وَاحِدَةٌ، وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ ؛ فَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى اللَّفْظِ خَاصَّةً.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ تَوْكِيدٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيدَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا ظَهَرَ الْمُؤَكِّدُ ؛ كَقَوْلِهِ : لَا وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَكِّدٌ فَلَا وَجْهَ لِلتَّأْكِيدِ، أَلَا