فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ : دَلَّ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَنْ لَيْسَ يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى مَمْلُوكٍ، أَوْ أُنْثَى بَالِغٍ ؛ وَلَا حُرٍّ لَمْ يَبْلُغْ.
لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ؛ فَكَانَ حَكَمَ.
أَنْ لَا مَالَ لِلْمُلُوكِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجَاهِدٌ إلَّا : وَعَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ، مُؤْنَةٌ مِنْ الْمَالِ ؛ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ.
وَقَالَ ( تَعَالَى ) لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ﴾ ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ : الذُّكُورَ، دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ : الْمُؤْمِنَاتُ.
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾، وَقَالَ ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ ﴾، وَكُلُّ هـ ذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ [ بِهِ ] : الذُّكُورَ، دُونَ الْإِنَاثِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ :﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ ؛ فَأَعْلَمَ أَنَّ فَرْضَ الِاسْتِئْذَانِ، إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ ؛ فَلَمْ يَجْعَلْ لِرُشْدِهِمْ حُكْمًا : تَصِيرُ بِهِ أَمْوَالُهُمْ إلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْعَمَلِ، إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ.
وَدَلَّتْ السُّنَّةُ، ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْتُ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : قَالَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي الْجِهَادِ :{ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ


الصفحة التالية
Icon