قال أبو جعفر: وقد ظنّ بعض أهل الغفلة أنّ ذلك من المقدّم الذي معناه التأخيرُ، كما قال امرؤ القيس:
ولَوْ أَنّ مَا أسْعَى لأَدْنَى مَعِيشةٍ | كَفاني، ولم أطلُبْ، قليلٌ من المالِ (١) |
فإن قال: فما وجْه تكراره: "إياك" مع قوله: "نستعين"، وقد تقدَّم ذلك قَبْل "نعبد"؟ وهلا قيل: "إياك نعبُدُ ونستعين"، إذ كان المخبَرُ عنه أنه المعبودُ، هو المخبر عنه أنه المستعانُ؟
قيل له: إن الكاف التي مع " إيَّا "، هي الكاف التي كانت تصل بالفعل -أعني بقوله: "نعبد" -لو كانت مؤخرةً بعدَ الفعل. وهي كنايةُ اسم المخاطبِ المنصوب بالفعل، فكُثِّرت بـ "إيّا " متقدِّمةً، إذْ كان الأسماء إذا انفردتْ بأنفسِها لا تكون في كلام العرب على حرف واحد.
فلمّا كانت الكاف من " إياكَ " هي كنايةَ اسم المخاطَب التي كانت تكون كافًا وحدها متصلةً بالفعل إذا كانتْ بعد الفعل، ثم كان حظُّها أن تعادَ مع كلّ فعل اتصلتْ به، فيقال: "اللهم إنا نعبدكَ ونستعينكَ ونحمدكَ ونشكرك"، وكان ذلك أفصحَ في كلام العرب من أن يقال: "اللهم إنا نعبدك ونستعين ونحمد"- كان كذلك، إذا قدِّمت كنايةُ اسم المخاطب قبل الفعل موصولةً بـ "إيّا "، كان الأفصح إعادَتها مع كل فعل. كما كان الفصيحُ من الكلام إعادَتها مع
(١) ديوانه ١: ٧١.