بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( ١ )
قوله تعالى :﴿ بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ أجمعوا أنها من القرآن في سورة النمل، وإنما اختلفوا في إثباتها في فاتحة الكتاب، وفي أول كل سورة، فأثبتها الشافعي في طائفة، ونفاها أبو حنيفة في آخرين.
واختُلِفَ في قوله :﴿ بِسْمِ ﴾ :
فذهب أبو عبيدة وطائفة إلى أنها صلة زائدة، وإنما هو اللهُ الرحمنُ الرحيمُ، واستشهدوا بقول لبيد :

إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلاَمِ عَلَيْكُما وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ
فذكر اسم السلام زيادة، وإنما أراد : ثم السلام عليكما.
واختلف من قال بهذا في معنى زيادته على قولين :
أحدهما : لإجلال ذكره وتعظيمه، ليقع الفرق به بين ذكره وذكر غيره من المخلوقين، وهذا قول قطرب.
والثاني : ليخرج به من حكم القسم إلى قصد التبرُّك، وهذا قول الأخفش.
وذهب الجمهور إلى أن « بسم » أصل مقصود، واختلفوا في معنى دخول الباء عليه، فهل دخلت على معنى الأمر أو على معنى الخبر على قولين :
أحدهما : دخلت على معنى الأمر وتقديره : ابدؤوا بسم الله الرحمن الرحيم وهذا قول الفراء.
والثاني : على معنى الإخبار وتقديره : بدأت بسم الله الرحمن الرحيم وهذا قولُ الزجَّاج.
وحُذِفت ألف الوصل، بالإلصاق في اللفظ والخط، لكثرة الاستعمال كما حُذفت من الرحمن، ولم تحذف من الخط في قوله :﴿ إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذَّي خَلَقَ ﴾ [ العلق : آية١ ] لقلَّة استعماله.
الاسم : كلمة تدل على المسمى دلالة إشارةٍ، والصفة كلمة تدل على الموصُوف دلالة إفادة، فإن جعلت الصفة اسماً، دلَّت على الأمرين : على الإشارة والإفادة.
وزعم قوم أن الاسم ذاتُ المسمى، واللفظ هو التسمية دون الاسم، وهذا فاسد، لأنه لو كان أسماءُ الذواتِ هي الذواتُ، لكان أسماءُ الأفعال هي الأفعال، وهذا ممتنع في الأفعال فامتنع في الذوات.
واختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين :
أحدهما : أنه مشتق من السمة، وهي العلامة، لما في الاسم من تمييز المسمى، وهذا قول الفرَّاء.
والثاني : أنه مشتق من السمو، وهي الرفعة لأن الاسم يسمو بالمسمى فيرفعه من غيره، وهذا قول الخليل والزجَّاج.
وأنشد قول عمرو بن معدي كرب :
إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَمْراً فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ
وَصِلْهُ بِالدُّعَاءِ فَكُلُّ أَمْرٍ سَمَا لَكَ أَوْ سَمَوْتَ لَهُ وُلُوعُ
وتكلف من رَاعَى معاني الحروف ببسم الله تأويلاً، أجرى عليه أحكام الحروف المعنوية، حتى صار مقصوداً عند ذكر الله في كل تسمية، ولهم فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الباء بهاؤه وبركته، وبره وبصيرته، والسين سناؤه وسموُّه وسيادته، والميم مجده ومملكته ومَنُّه، وهذا قول الكلبي.
والثاني : أن الباء بريء من الأولاد، والسين سميع الأصوات والميم مجيب الدعوات، وهذا قول سليمان بن يسار.


الصفحة التالية
Icon