قوله تعالى :﴿... قَالَ رَبِّ أَرِني أَنظُرُ إِلَيْكَ ﴾ الآية، في سؤال موسى ذلك لربه ثلاثة أقاويل : أحدها : ليرد عليه من جواب الله ما يحتج به على قومه حين قالوا :﴿ لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [ البقرة : ٥٥ ] مع علم موسى بأنه لا يجوز أن يراه في الدنيا.
والثاني : أنه كان يعلم ذلك باستدلال فأجب أن يعلمه ضرورة.
والثالث : أنه جوّز ذلك وظنه وأن رؤيته في الدنيا ممكنة، قاله الحسن، والربيع، والسدي.
فأجابه الله بأن ﴿ قَالَ لَن تَرَانِي ﴾.
ثم أظهر في الجواب ما يعلم به استحالة مسألته فقال :﴿ وَلَكِن انظُرْ إلىَ الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ لأن الجبل إذا لم يستقر لرؤيته فالإنسان بذلك أولى.
﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ للِجَبَلِ ﴾ معنى تجلى ظهر مأخوذ من جلاء العروس إذا ظهرت، ومن جلاء المرآة إذا أضاءت.
وفي تجليه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل.
والثاني : أنه أظهر للجبل من ملكوته ما تدكدك به، لأن الدنيا لا تقوم لما يبرز من ملكوت السماء.
والثالث : أنه أبرز قدر الخنصر من العرش.
والرابع : ظهر أمره للجبل.
﴿ جَعَلَهُ دَكّاً ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يعني مستوياً بالأرض، مأخوذ من قولهم ناقة دكاء إذا لم يكن لها سنام، قاله ابن قتيبة وابن عيسى.
والثاني : أنه ساخ في الأرض، قاله الحسن وسفيان.
والثالث : أنه صار تراباً، قاله ابن عباس.
والرابع : أنه صار قطعاً.
قال مقاتل : وكان أعظم جبل بمدين تقطع ست قطع تفرقت في الأرض، صار منها بمكة ثلاثة أجبل : ثبير وغار ثور وحراء. وبالمدينة ثلاثة أجبل : رضوى وأحد وورقان. والله أعلم.
﴿ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : ميتاً، قاله قتادة.
والثاني : مغشياً عليه، قاله ابن عباس، والحسن، ابن زيد.
قال ابن عباس : أخذته الغشية الخميس من يوم عرفة وأفاق عشية الجمعة وفيه نزلت عليه التوراة وهو يوم النحر العاشر من ذي الحجة، وفيها عشر آيات أنزلها الله في القرآن على محمد ﷺ في ثماني عشرة من سورة بني إسرائيل.
﴿ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه تاب من الإقدام على المسألة قبل الإذن فيها.
والثاني : أنه تاب من اعتقاده جواز رؤيته في الدنيا.
والثالث : أنه قال ذلك على جهة التسبيح وعادة المؤمنين عند ظهور الآيات. الدالة على عظيم قدرته.
﴿ وَأَنَّاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أول المؤمنين بأنه لا يراك شيء من خلقك، قاله ابن عباس، والحسن :
والثاني : وأنا أول المؤمنين من قومي باستعظام سؤال الرؤية.