قوله تعالى :﴿... فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلُ عَمَلاً صَالِحاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني فمن كان يخاف لقاء ربه، قاله مقاتل، وقطرب.
الثاني : من كان يأمل لقاء ربه.
الثالث : من كان يصدّق بلقاء ربه، قاله الكلبي.
وفي لقاء ربه وجهان :
أحدهما : معناه ثواب ربه، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : من كان يرجو لقاء ربه إقراراً منه بالعبث إليه والوقوف بين يديه.
﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الخالص من الرياء، قاله ذو النون المصري.
الثاني : أن يلقى الله به فلا يستحي منه، قاله يحيى بن معاذ.
الثالث : أن يجتنب المعاصي ويعمل بالطاعات.
﴿ وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الشرك بعباته الكفر، ومعناه لا يُعْبَد معه غيرُه، قاله الحسن.
الثاني : أنه الرياء، ومعناه ولا يرائي بعمله أحداً، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد.
روي عن النبي ﷺ أنه قال :« أَخْوَفُ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الخَفِيَّةَ » قيل : أتشرك أمتك بعدك؟ قال :« لاَ، أَمَّا أَنَّهُم لاَ يَعْبُدونَ شَمْساً وَلاَ قَمَراً وَلاَ حَجراً وَلاَ وَثَناً وَلكِنّهُم يُرَاءُونَ بِعَمَلِهِم » فقيل : يا رسول الله وذلك شرك؟ فقال :« نَعَم ». قيل : وما الشهوة الخفية، قال :« يُصْبِحُ أَحَدُهُم صَائِماً فَتَعْرِضُ لَهُ الشَّهْوَةُ مِن شَهَواتِ الدُّنْيَا فَيُفْطِرَ لَهَا وَيَتْرُكَ صَوْمَهُ
». وحكى الكلبي ومقاتل : أن هذه الآية نزلت في جندب بن زهير العامري أتى رسول الله ﷺ فقال له : إنا لنعمل العمل نريد به وجه الله فيثنى به علينا فيعجبنا، وأني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليّ، فقال رسول الله ﷺ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ أَنَا خَيرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشَرَكَنِي فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لِي أَحَداً مِن خَلْقِي تَرَكْتُهُ وذلِكَ الشَّرِيكَ » ونزلت فيه هذه الآية :﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ فتلاها عليه رسول الله ﷺ، وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن.