قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أن ناساً كانوا يقولون : لو أنزل فيَّ كذا، لو أنزل فيَّ كذا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
الثاني : أنهم نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه، قاله ابن عباس.
الثالث : معناه ألا يقتاتوا على الله ورسوله، حتى يقضي الله على لسان رسوله، قاله مجاهد.
الرابع : أنها نزلت في قوم ضحوا قبل أن يصلوا مع رسول الله ﷺ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح، قاله الحسن.
الخامس : لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر به الله تعالى ورسوله، قال الزجاج.
وسبب نزولها ما حكاه الضحاك عن ابن عباس أن النبي ﷺ أنفذ أربعة وعشرين رجلاً من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفئوا إلى المدينة فلقوا رجلين من بني سليم فسألوهما عن نسبهما فقالا : من بني عامر فقتلوهما، فجاء بنو سليم إلى رسول الله ﷺ وقالوا : إن بيننا وبينك عهداً وقد قتل منا رجلان فوداهما رسول الله ﷺ بمائة بعير ونزلت عليه هذه الآية في قتلة الرجلين.
﴿ وَاتَّقُواْ اللَّهَ ﴾ يعني في التقدم المنهي عنه.
﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لقولكم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بفعلكم.
قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِ النَّبِّيِ ﴾ قيل إن رجلين من الصحابة تماريا عنده فارتفعت أصوتهما، فنزلت هذه الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه عند ذلك : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار.
﴿ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه الجهر بالصوت. روي أن ثابت بن قيس بن شماس قال : يا نبي الله والله لقد خشيت أن أكون قد هلكت، نهانا الله عن الجهر بالقول وأنا امرؤ جهير الصوت، فقال النبي ﷺ :« يَا ثَابِتَ أَمَأ تَرْضَى أَن تَعِيشَ حَمِيداً وتُقْتَلَ شَهِيداً وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ » ؟ فعاش حميداً وقتل شهيداً يوم مسيلمة.
الثاني : أن النهي عن هذا الجهر هو المنع من دعائه باسمه أو كنيته كما يدعو بعضهم بعضاً بالاسم والكنية، وهو معنى قوله ﴿ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ﴾، ولكنْ دعاؤه بالنبوة والرسالة كما قال تعالى ﴿ لاَ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضاً ﴾ [ النور : ٦٣ ].
﴿ أن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن معناه فتحبط أعمالكم.
الثاني : لئلا تحبط أعمالكم.
﴿ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ بحبط أعمالكم.
قوله تعالى :﴿... أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه أخلصها للتقوى، قاله الفراء.
الثاني : معناه اختصها للتقوى، قاله الأخفش.


الصفحة التالية
Icon