وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئاً ويختلق إفكاً وكذباً ملقياً زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب، ولا بد من القول أولاً في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعهد جبريل إياه بالتنزيل، والكشف عن تلك الأحوال، والقول فيها على طريق الإجمال ثم نفرع القول مفصلاً في سبب نزول كل آية روى لها سبب مقول، مروي منقول، والله تعالى الموفق للصواب والسداد، والآخذ بنا عن العاثور إلى الجدد.
القول في أول ما نزل من القرآن
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عروة، عن عائشة أنها قالت اول ما بديء به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) حتى بلغ ما لم يعلم، فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة ما لي؟ وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت علي؟ فقالت له: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق رواه البخاري عن يحيى بن بكير، ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري قال: أخبرنا جدي أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: إن أول ما نزل من القرآن (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر الصبغي، عن بشر بن موسى، عن الحميدي، عن سفيان.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: حدثنا نصر بن محمد الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن مخلد أن محمد بن إسحاق حدثهم قال: حدثنا يعقوب الدورقي قال: حدثنا أحمد بن نصر بن زياد، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي قال: حدثني يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من القرآن (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) فهو أول ما نزل من القرآن بمكة، وأول سورة (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ).