أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري، أخبرنا الحسن بن علي بن مؤمل، أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري، أخبرنا موسى بن عبيدة قال: أخبرنا محمد بن كعب القرظي، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا جعفر بن عون قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها، قالت له قريش: يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك، فيرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها تكون لك شفاء، فخرج الرسول حتى وجد رسول الله ﷺ وأبا بكر جالساً معه فقال: يا محمد إن عمك يقول إني كبير ضعيف سقيم، فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيئاً يكون لي فيه شفاء، فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين، فرجع إليهم الرسول، فقال: بلغت محمداً الذي أرسلتموني به فلم يحر إلى شيئاً. وقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين، فحملوا أنفسهم عليه حتى أرسل رسولاً من عنده، فوجد الرسول في مجلسه، فقال له مثل ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الكافرين طعامها وشرابها، ثم قام في إثر الرسول حتى دخل معه بيت أبي طالب، فوجده مملوءاً رجالاً فقال: خلوا بيني وبين عمي، فقالوا: ما نحن بفاعلين ما أنت أحق به منا، إن كانت لك قرابة فلنا قرابة مثل قرابتك، فجلس إليه فقال: يا عم جزيت عني خيراً، يا عم أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة، قال: وما هي يا ابن أخي؟ قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال: إنك لي ناصح والله لولا أن تعير بها فيقال: جزع عمك من الموت لأقررت بها عينك، قال: فصاح القوم: يا أبا طالب أنت رأس الحنيفية ملة الأشياخ، فقال: لا تحدث نساء قريش أن عمك جزع عند الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني، فاستغفر له بعد ما مات، فقال المسلمون ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا قد استغفر إبراهيم لأبيه، وهذا محمد ﷺ يستغفر لعمه، فاستغفروا للمشركين حتى نزل (ما كانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو كانوا أُولِى قُربى).
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد الحراني، حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم، حدثنا محمد بن يعقوب الأموي، حدثنا الحر بن نصير، حدثنا ابن وهب، أخبرنا ابن جريج، عن أيوب بن هانيء، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رسول الله ﷺ ينظر في المقابر وخرجنا معه فأخذنا مجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم ارتفع وجئنا ورسول الله ﷺ باك، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد أبكانا وأفزعنا، فجاء فجلس إلينا فقال: أفزعكم بكائي؟ فقلنا: نعم، فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيها واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه، ونزل (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ) حتى ختم الآية. (وَما كانَ اِستِغفارُ إِبراهيمَ لأَِبيهِ إِلّا عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ) - فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة، فذلك الذي أبكاني.
قوله تعالى (وَما كانَ المُؤمِنونَ لِيَنفُروا كافَّةً) قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله ﷺ ولا سرية أبداً، فلما أمر رسول الله ﷺ بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعاً وتركوا رسول الله ﷺ وحده بالمدينة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة يونس
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم قوله تعالى (أَكانَ لِلناسِ عَجَباً أَن أَوحَينا إِلى رَجُلٍ مِّنهُم أَن أَنذِرِ الناسَ) الآية. قال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمداً ﷺ رسولاً أنكرت الكفار، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.