بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ) الآية. قال الثعلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله ﷺ رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصها على أصحابه، فاستبشروا بذلك ورأوا فيها فرجاً مما هم فيه من أذى المشركين، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى (وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ) يعني لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أولا ثم قال: إنما هو شيء رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يوحى إلي.
قوله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعينَ سَنَةً) الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء: أنزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أنه صحب رسول الله ﷺ وهو ابن ثمان عشرة ورسول الله ﷺ ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في التجارة، فنزلوا منزلاً فيه سدرة، فقعد رسول الله ﷺ في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين، فقال له: من الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقال: هذا والله نبي، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد نبي الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، وكان لا يفارق رسول الله ﷺ في أسفاره وحضوره، فلما نبئ رسول الله ﷺ وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ أربعين سنة قال (رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ).
سورة الفتح
أخبرنا محمد بن إبراهيم الداركي قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال: أخبرنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.
قوله تعالى (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً) أخبرنا منصور بن أبي منصور الساماني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الفامي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا أبو الأشعث قال: أخبرنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة، أنزل الله عز وجل (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها كلها.
وقال عطاء عن ابن عباس: إن اليهود شمتوا بالنبي ﷺ والمسلمين لما نزل قوله (وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ) وقالوا: كيف نتبع رجلاً لا يدري ما يفعل به، فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً لِّيَغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ).
قوله عز وجل (لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد المديني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا همام عن قتادة، عن أنس قال: لما نزلت (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً لِّيَغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ) قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئاً لك يا رسول الله ما أعطاك الله فما لنا؟ فأنزل الله تعالى (لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأَنهارُ) الآية.


الصفحة التالية
Icon