بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فضل هذه الأمة بالكتاب العزيز، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف رسول وأكرم نبي.هذا الكتاب تتبعت فيه الألفاظ المعربة التي وقعت في القرآن مستوعباً ما وقفت عليه من ذلك مقروناً بالعزو والبيان. وعلى الله الاعتماد، وإليه أضرع في الهداية إلى طرق السداد.
مقدمة
اختلفت الأئمة في وقوع المعرب في القرآن: فالأكثرون ومنهم الإمام الشافعي، وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى: (قُرآناً عَرَبياً).وقوله: (وَلَو جَعَلناهُ قُرآناً أَعجَمياً لّقالوا لَولا فُصِّلَت آَياتُه ءاَعجَميُّ وَعَرَبيُّ).
وشدد الشافعي النكير على القائل بذلك.
وقال ابو عبيد: )إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذاباً بالنبطية فقد أكبر القول(.
وقال ابن فارس لو كان فيه من غير لغة العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله، لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
وقال ابن جرير: )ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من تفسير ألفاظ القرآن أنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد(.
وقال غيره: )بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسنة في أسفار لهم فعلقت من لغاتهم ألفاظ غيرت بعضها بالنقص من حروفها واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح، ووقع بها البيان، وعلى هذا الحد نزل بها القرآن(.
وقال آخرون: )كل هذه الألفاظ عربية صرفة، ولكن لغة العرب متسعة جداً، ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الجلة وقد خفي على ابن عباس رضي الله عنهما معنى فاطر(.
قال الشافعي )رحمه الله( في الرسالة: )لا يحيط باللغة إلا نبي(.
وقال أبو المعالي شيدلة: )إنما وجدت هذه الألفاظ في لغة العرب لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظاً، ويجوز أن يكونوا سبقوا إلى هذه الألفاظ(.
وذهب آخرون إلى وقوعه فيه. وأجابوا عن قوله تعالى: (قُرآناً عَرَبياً) بأن الكلمات اليسيرة غير العربيه لا تخرجه عن كونه عربياً فالقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، وعن قوله: (ءآعجَميٌّ وَعَرَبيٌّ) بأن المعنى من السياق أكلام أعجمي ومخاطب عربي. واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو إبراهيم للعلمية والعجمة.
ورد هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها: موجه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس.
الرأي الذي اختاره السيوطي.
وأقوى ما رأيته للوقوع - وهو اختياري - ما أخرجه ابن جرير قال حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمى عن جعفر ابن أيبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: )قالت قريش لولا أنزل هذا القرأن أعجمياً وعربياً، فأنزل الله )وَقالوا لَولا فُصِّلَت آَياتُهُ ءآَعجَميٌّ وَعَرَبيٌّ( الآية، فأنزل الله بعد هذه الآية )القرآن( بكل لسان فيه: )حِجارَةٍ مِّن سِجّيلٍ( فارسية.
وقال حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال: )في القرآن من كل لسان(. وقال ابن أبي شيبة في مصنفه: )حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال: )أنزل القرآن بكل لسان(.
ونقل الثعلبي رحمه الله تعالى عن بعضهم قال: )ليس لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن(.
فهذه إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن لتم إحاطته بكل شيء. فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالاً للعرب. ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك فقال في تفسيره: )من خصائص القرآن على سائر كتب الله المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم، لم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم.
والقرآن احتوى على جميع لغات العرب وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير(.
قلت وأيضاً فالنبي ﷺ مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: (وَما أَرسَلنا مِن رَّسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِهِ).