بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله عليه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما قال الشيخ الفقيه الإمام العالم الجليل أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المروكشي المعروف بابن البنا رحمه الله.
الحمد لله منزل الكتاب وهادي الألباب وجاعل السبيل ومقيم الدليل ومجلي اليقين بالنور المبين وهو رب العالمين. والصلاة التامة على خاتم الرسل وموضح السبيل معلم الحكمة وهادي الأمة محمد النبي العربي الأمي صلاة تنيلنا الزلفى والمورد الأصفى وعلى آله الطيبين وصحبه الأكرمين الذين سلكوا سبيله، وبينوا دليله وبالغوا في الإرشاد والنصيحة وضبطوا بخط المصحف لغته الفصيحة على أكمل بيان لتفهيم الفرقان المبلغ إلى مقامات الرضوان ومحل الإحسان وسلم كثيرا.
وبعد فإنه لما كان خط المصحف الذي هو الإمام الذي يعتمده القارىء في الوقف والتمام ولا يعدو رسومه ولا يتجاوز مرسومه قد خالف خط الأنام في كثير من الحروف و الأعلام. ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق، بل على أمر عندهم قد تحقق، بحثت عن وجوه ذلك بمقتضى الميزان ووافي الرجحان ووقفت منه على عجائب ورأيت منه غرائب جمعت منها في هذا الجزء ما تيسر عبرة لمن يتذكر وسميته )عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل( هو لأولي الألباب مفتاح تدبر الكتاب بحول الله تعالى وقوته.
ولا بد من تقديم ما لا بد من تقديمه في البيان ليكمل بذلك فيه العرفان وبالله التوفيق. فأقول: إن الخط المحسوس له صورة تدرك بالأبصار واللفظ المسموع له صورة تدرك بالآذان ومحل اللفظ الصوت وهو من لدن محل الهمزة في أقصى الحلق إلى الشفتين ثم إلى حيث يبلغ في الوجود. وفي الصوت تحدث الحروف المقطعة المسموعة في اللف. وما وراء الهمزة في الصدر من الهواء المندفع في الحجاب الذي به يكون التصويت لا يسمع.
والهمزة مبدأ الصوت، فلا صورة لها لأنها حد بين ما يسمع وما لا يسمع ولا يتأتى النطق بها ساكنة ولا شيء من الحروف الساكنة ابتداء إلا بتقديم الهمزة. فلا بد من حركتها بالضرورة.
والحركات ثلاثة الرفع والنصب والخفض وأولها وأخفها في الحس على النفس فعل النصب لأنه على الإنفتاح الذي هو أصل للصوت ثم يعرض له الضم والكسر. وأثقلها فعل الرفع، ودونه فعل الخفض.
والفتحة فعل بين الضمة والكسرة.
وهذه الحركات الثلاثة التي هي في الأصل للهمزة بالاضطرار هي التي تلقى على سائر الحروف الساكنة بالاختيار.
فإذا طولت الهمزة بمد الصوت حدثت حروف المد واللين الثلاثة تابعة للحركات الثلاثة فلها صورة ظاهرة في السمع وهي: الألف والواو والياء.
فهذه الحروف الثلاثة من حيث اتصلت بالهمزة كانت أول الحروف كلها لأنها في مقطع الهمزةن والحروف بعدها في مقاطع أنفسها. وإذا تحركت الحروف وطولت بالمد تبعتها هذه الحروف الثلاثة أيضا. فكانت بهذه الجهة آخر الحروف كلها. وهي مع كل حرف في مقطعه. فلأجل ذلك لم يجعل للهمزة صورة في الخط.
وإذا عضدت في موضع في الخط فإنما تعضد بأحد هذه الحروف الثلاثة على ما نبينه بعد إن شاء الله. ويبدل بعضها من بعض لمعنى يوجبه.
ولأحوال هذه الحروف مناسبة لأحوال الوجود حصل بها بينهما ارتباط به يكون الاستدلال.
والألف تدل على الكون بالفعل في الوجود فهي مفصلة لأنها من حيث إنها أول الحروف في الفصل الذي بين ما يسمع وما لا يسمع متصلة بهمزة الإبتداء.
ولذلك جعلت علامة الإثنين.
والواو تدل على الظهور والإرتفاع والارتقاء فهي جامعة لأنها عن غلظ الصوت وارتفاعه بالشفة معا إلى أبعد رتبة في الظهور.
والياء تدل على البطون فهي مخصصة لأنها عن رقة الصوت وانخفاضه في باطن الفم.
وسيظهر لك ذلك كله فيما بعد بحول الله تعالى.
ومما يوضحه لك عن قرب اعتبار حروف المد واللين ضمائر متصلة بالفعل المضارع فتدبرها.
ولما كانت المعاني تعتبر اعتبارين: تعتبر من باب الوجود بالفعل سواء كانت الآن محصلة لنا أو لم تكن و تعتبر من باب الإدراك والعلم سواء كانت في الوجود أو لم تكن.
كما انقسم باب الوجود على قسمين: ما يدرك وما لا يدرك. والذي يدرك على قسمين: ظاهر ويسمى: الملك وباطن ويسمى: الملكوت.
والذي لا يدرك نتوهمه على قسمين:


الصفحة التالية
Icon