القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا (٧٦) ﴾
يقول عزّ وجلّ: وإن كاد هؤلاء القوم ليستفزونك من الأرض: يقول: ليستخفونك من الأرض التي أنت بها ليخرجوك منها (وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا) يقول: ولو أخرجوك منها لم يلبثوا بعدك فيها إلا قليلا حتى أهلكهم بعذاب عاجل.
واختلف أهل التأويل في الذين كادوا أن يستفزّوا رسول الله ﷺ ليخرجوه من الأرض وفي الأرض التي أرادوا أن يخرجوه منها، فقال بعضهم: الذين كادوا أن يستفزوا رسول الله ﷺ من ذلك اليهود، والأرض التي أرادوا أن يخرجوه منها المدينة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرميّ أنه بلغه أن بعض اليهود قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن أرض الأنبياء أرض الشام، وإن هذه ليست بأرض الأنبياء، فأنزل الله (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا).
وقال آخرون: بل كان القوم الذين فعلوا ذلك قريشا، والأرض مكة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا) وقد همّ أهل مكة بإخراج النبيّ ﷺ من مكة، ولو فعلوا ذلك لما توطنوا، ولكن الله كفهم عن إخراجه حتى أمره، ولقلما مع ذلك لبثوا بعد خروج نبيّ الله ﷺ من مكة حتى بعث الله عليهم القتل يوم بدر.
حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ) قال: قد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم الله يوم بدر، ولم يلبثوا بعده إلا قليلا حتى أهلكهم الله يوم بدر. وكذلك كانت سنَّة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك.