وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة للقرآن كنقطة من بحر ولما كانت هذه السورة لبيان بدء الخلق، ذكر فيها ما وقع عند بدء الخلق، وهو قوله: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) ففي الصحيح: (لما فرغ الله من الخلق، وقضى القضية، كتب كتاباً عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي)
سورة الأعراف
أقول: مناسبة وضع هذه السورة عقب سورة الأنعام فيما ألهمني الله سبحانه: أن سورة الأنعام لما كانت لبيان الخلق، وقال فيها: (هوَ الذي خلَقَكُم من طين) وقال في بيان القرون: (كَم أَهلكنا من قبلهم من قرن) وأشير فيها إلى ذكر المرسلين، وتعداد كثير منهم، وكانت الأمور الثلاثة وتفصيلها فبسط فيها قصة خلق آدم أبلغ بسط، بحيث لم تبسط في سورة كما بسطت فيها وذلك تفصيل إجمال قوله: (خلَقَكُم مِن طين) ثم فصلت قصص المرسلين وأممهم، وكيفية إهلاكهم، تفصيلاً تاماً شافياً مستوعباً، لم يقع نظيره في سورة غيرها، وذلك بسط حال القرون المهلكة ورسلهم، فكانت هذه السورة شرحاً لتلك الآيات الثلاثة وأيضاً، فذلك تفصيل قوله: (وهوَ الذي جعلَكُم خلائفَ الأَرض) ولهذا صدر هذه السورة بخلق آدم الذي جعله الله في الأرض خليفة وقال في قصة عاد: (جعلَكُم خُلفاء مِن بعدِ قوم نوح) وفي قصة ثمود: (جعلَكُم خُلفاء من بعد عاد) وأيضاً فقد قال في الأنعام: (كتَبَ ربَكُم على نفسهِ الرحمة) وهو موجز، وبسطه هنا بقوله: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) إلى آخره فبين من كتبها لهم وأما وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر الأنعام فهو: أَنه قد تقدم هناك: (وأَن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه) وقوله: (وهذا كتابٌ أَنزلناهُ مباركٌ فاتبعوه) وقوله: (وهذا كتابٌ أَنزلناهُ مباركٌ فاتبعوه) فافتتح هذه السورة أيضاً باتباع الكتاب في قوله: (كتاب أُنزِلَ إِليك) إِلى (اتبعوا ما أُنزِلَ إِليكُم مِن رَبِكُم) وأيضاً لما تقدم في الأنعام: (ثم يُنبئهم بِما كانوا يَفعَلون) (ثُمَ إِلى ربِكُم مرجِعكم فيُنَبِئكُم بما كنتم فيه تختَلفون) قال في مفتتح هذه السورة: (فلنسأَلن الذينَ أُرسِلَ إِليهم ولنسألن المُرسَلين) (فلنقصن عليهم بعلم) وذلك شرح التنبئة المذكورة وأيضاً فلما قال في الأنعام: (من جاء بالحسنة فله عشر أَمثالِها) وذلك لا يظهر إلا في الميزان، افتتح هذه السورة بذكر الوزن، فقال: (والوزن يومئذٍ الحق) ثم ذكر من ثقلت موازينه، وهو من زادت سيئاته على حسناته، ثم ذكر بعد ذلك أصحاب الأعراف، وهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم
سورة الأنفال
اعلم أن وضع هذه السورة وبراءة هنا ليس بتوقيف من الرسول ﷺ والصحابة، كما هو الراجح في سائر السور، بل اجتهاد من عثمان رضي الله عنه وقد كان يظهر في بادئ الرأي: أن المناسب إيلاء الأعراف بيونس وهود، لاشتراك كل في اشتمالها على قصص الأنبياء، وأنها مكية النزول، خصوصاً أن الحديث ورد في فضل السبع الطوال، وعدوا السابعة يونس، وكانت تسمى بذلك كما أخرجه البيهقي في الدلائل ففي فصلها من الأعراف بسورتين هما الأنفال، بالنسبة إلى الأعراف وبراءة وقد استشكل ابن عباس حبر الأمة قديماً ذلك فأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهني من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان رسول الله ﷺ ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشئ دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله ﷺ ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال