أقول: قد عرف وجه مناسبتها فيما تقدم في الأنفال ونزيد هنا: أن مطلعها شبية بمطلع سورة الأعراف، وأنه سبحانه قال فيها: (أَن أَنذِر النَّاس وَبشِر الذينَ آمنوا) فقدم الإنذار وعممه، وأخر البشارة وخصصها وقال تعالى في مطلع الأعراف: (لتُنذِرَ بِهِ وذِكرى للمؤمنين) فخص الذكرى وأخرها، وقدم الإنذار، وحذف مفعوله ليعم وقال هنا: (إِنَّ رَبَكُم اللَهُ الذي خَلقَ السمواتِ والأَرضِ في ستةِ أَيام ثُمَ استوى على العَرش) وقال في الأوائل، أي أوائل الأعراف مثل ذلك وقال هنا: (يدبر الأَمر) وقال هناك: (مسخرات بأَمرهِ أَلا لهُ الخلق والأَمر) وأيضاً فقد ذكرت قصة فرعون وقومه في الأعراف، فاختصر ذكر عذابهم، وبسطه في هذه السورة أبلغ بسط فهي شارحة لما أجمل في سورة الأعراف منه
سورة هود
أقول: وجه وضعها بعد سورة يونس زيادة على الأوجه الستة السابقة: أن سورة يونس ذكر فيها قصة نوح مختصرة جداً، مجملة، فشرحت في هذه السورة وبسطت بما لم يبسطه في غيرها من السور، ولا في سورة الأعراف على طولها، ولا في سورة (إِنَّا أَرسَلنا نوحاً) التي أفردت لقصته فكانت هذه السورة شارحة لما أجمل في سورة يونس فإن قوله هناك: (واتَبِع ما يوحى إِليك) هو عين قوله هنا: (كتابٌ أُحكِمَت آياتهُ ثُمَ فُصِلت مِن لدن حكيم خبير) فكان أول هود تفصيلاً لخاتمة يونس
سورة يوسف
أقول: وجه وضعها بعد سورة هود زيادة على الأوجه الستة السابقة: أن قوله في مطلعها: (نحنُ نَقُصُ عَليكَ أَحسنَ القِصص) مناسبة لقوله في مقطع تلك: (وكلا نقُصُ عليكَ من أَنباءِ ما نُثبت به فؤادك) وأيضاً فلما وقع في سورة هود (فبشرناها بإِسحاق ومِن وراءِ إِسحاق يعقوب) وقوله: (رحمة اللَهِ وبَركاتهِ عليكُم أَهل البيت) ذكر هنا حال يعقوب مع أولاده، وحال ولده الذي هو من أهل البيت مع إخوته، فكان كالشرح لإجمال ذلك وكذلك قال هنا: (ويتمَ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أَتمها على أَبويك مِن قبل إِبراهيم وإسحاق) فكان ذلك كالمقترن بقوله في هود: (رحمة اللَهِ وبَركاتهِ عليكُم أَهل البيت) وقد روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول: أن يونس نزلت، ثم هود، ثم يوسف وهذا وجه آخر من وجوه المناسبة في ترتيب هذه السور الثلاث، لترتيبها في النزول هكذا
سورة الرعد
أقول: وجه وضعها بعد سورة يوسف زيادة على ما تقدم بعد ما فكرت فيه طائفة من الزمان: أنه سبحانه قال في آخر تلك: (وكأَين مِن آية في السموات والأَرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) فذكر الآيات السمائية والأرضية مجملة، ثم فصل في مطلع هذه السورة فقوله (اللَهُ الَذي رَفعَ السمواتِ بغيرِ عمد ترونها ثُم استوى على العرش وسخَّرَ الشمسَ والقمر كلٌ يَجري إِلى أَجلٍ مُسمى يدبر الأَمر يفصل الآيات لعلَكُم بلقاءِ ربكم توقنون وهوَ الذي مدَّ الأَرض وجعلَ فيها رواسي وأَنهاراً ومِن كُلِ الثمرات جعَلَ فيها زوجينِ اثنَينِ يغشى الليلُ والنَهار إِنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لقومٍ يتفكرون وفي الأرض قطع متجاورات وجناتٍ مِن أَعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماءٍ واحد ونُفَضِل بعضها على بعض في الأَكل إِنَ في ذلِكَ لآياتٍ لقومٍ يعقلون) تفصيل الآيات الأرضية هذا مع اختتام سورة يوسف بوصف الكتاب، ووصفه بالحق، وافتتاح هذه بمثل ذلك، وهو من تشابه الأطراف
سورة إبراهيم
أقول: وجه وضعها بعد سورة الرعد زيادة على ما تقدم بعد إفكاري فيه برهة: أن قوله في مطلعها: (كتاب أنزلناهُ إِليكَ) مناسب لقوله: في مقطع تلك: (ومن عِندَهُ علم الكتاب) على أن المراد ب (من) هو: الله تعالى جل جلاله وأيضاً ففي الرعد: (ولقَد استهزئ برسُلٍ مِن قبلِكَ فأمليت للذين كفروا ثم أَخذتهم) وذلك مجمل في أربعة مواضع: الرسل، والمستهزئين، وصفة الاستهزاء، والأخذ وقد فصلت الأربعة في قوله: (أَلم يأَتِكُم نبأَ الذينَ مِن قبلِكُم قوم نوح وعاد وثمود)
سورة الحجر
أقول: تقدمت الأوجه في اقترانها بالسورة السابقة وإنما أُخرت عنها اقصرها بالنسبة إليها، وهذا القسم من سور القرآن للمئين، فناسب تقديم الأطول، مع مناسبة ما ختمت به لبراعة الختام، وهو قوله: (واعبُد ربَكَ حتى يأَتيكَ اليقين) فإنه مفسر بالموت، وذلك مقطع في غاية البراعة