ولما ذكر أول الحج قوله: (يا أَيُها الناس إِن كنتُم في ريبٍ مِن البعثِ فإِنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة) زاده هنا بياناً في قوله: (ولقد خَلقنا الإِنسانَ مِن سُلالةٍ مِن طين ثُم جعلناهُ نطفةً في قرارٍ مكين) فكل جملة أوجِزَت هناك في القصد أطنب فيها هنا
سورة النور
أقول: وجه اتصالها بسورة قد أفلح: أنه لما قال: (والذينَ هُم لفروجهم حافظون) ذكر في هذه أحكام من لم يحفظ فرجه، من الزانية والزاني، وما اتصل بذلك من شأن القذف، وقصة الإفك، والأمر بغض البصر، وأمر فيها بالنكاح حفظاً للفروج، وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف، وحفظ فرجه، ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا ولا ارتباط أحسن من هذا الارتباط، ولا تناسق أبدع من هذا النسق
سورة الفرقان
ظهر لي بفضل الله بعدما فكرت في هذه: أن نسبة هذه السورة لسورة النور، كنسبة سورة الأنعام إلى المائدة من حيث أن النور قد ختمت بقوله: (للهِ ما في السمواتِ والأَرض) كما ختمت المائدة بقوله (للهِ ملكُ السمواتِ والأَرض وما فيهن) وكانت جملة النور أخصر من المائدة، ثم فصلت هذه الجملة في سورة الفرقان فافتتحت بقوله (الذي له ملك السموات) إلى قوله (وخلق كل شيء فقدرهُ تقديراً) كما افتتحت الأنعام بمثل ذلك وكان قوله عقبه (واتخذوا من دونهِ آلهة) إلى آخره، نظير قوله هناك (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) ثم ذكر في خلال هذه السورة جملة من المخلوقات، كمثل الظل، والليل، والنوم، والنهار، والرياح، والماء، والأنعام، والأناسي، ومرج البحرين، والإنسان، والنسب، والصهر، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، والاستواء على العرش، وبروج السماء، والسراج، والقمر، إلى غير ذلك، مما هو تفصيل لجملة: (للهِ ما في السمواتِ والأَرض) كما فصل آخر المائدة في الأنعام بمثل ذلك وكان البسط في الأنعام أكثر لطولها ثم أشار في هذه السورة إلى القرون المكذبة وإهلاكم، كما أشار في الأنعام إلى ذلك ثم أفصح عن هذه الإشارة في السورة التي تليها وهي الشعراء بالبسط التام، والتفصيل البالغ كما أوضح تلك الإشارة التي في الأنعام، وفصلها في سورة الأعراف التي تليها فكانت هاتان السورتان الفرقان والشعراء في المثانى، نظير تينك السورتين الأنعام والأعراف في الطوال، واتصالهما بآخر النور، نظير اتصال تلك بآخر المائدة، المشتملة على فصل القضاء ثم ظهر لي لطيفة أخرى، وهي أنه إذا وقعت سورة مكية بعد سورة مدنية، افتتح أولها بالثناء على الله، كالأنعام بعد المائدة، والإسراء بعد النحل، وهذه بعد النور، وسبأ بعد الأحزاب، والحديد بعد الواقعة، وتبارك بعد التحريم، لما في ذلك من الإشارة إلى نوع استقلال، وإلى الإنتقال من نوع إلى نوع
سورة الشعراء
أقول وجه اتصالها بسورة الفرقان أنه تعالى لما أشار فيها إلى قصص مجملة بقوله (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أَخاه هارون وزيراً فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميراً وقوم نوح لما كذبوا الرسل أَغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأَعتدنا للظالمين عذاباً أَليماً وعاداً وثمود وأَصحاب الرس وقروناً بينَ ذَلِكَ كثيراً) شرح هذه القصص، وفصلها أبلغ تفصيل في الشعراء التي تليها، ولذلك رتبت على ترتيب ذكرها في الآيات المذكورة فبدئ بقصة موسى، ولو رتبت على الواقع لأخرت كما في الأعراف فانظر إلى هذا السر اللطيف الذي من الله بإلهامه ولما كان في الآيات المذكورة بقوله (وقروناً بينَ ذلِكَ كثيراً) زاد في الشعراء تفصيلاً لذلك قصة قوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب ولما ختم الفرقان بقوله: (وإِذا خاطبَهُم الجاهلونَ قالوا سَلاما) وقوله: (وإِذا مروا باللغوِ مروا كِراماً) ختم هذه السورة بذكر الشعراء الذين هم بخلاف ذلك، واستثنى منهم من سلك سبيل أولئك، وبين ما يمدح من الشعر، ويدخل في قوله (سلاماً) وما يذم منه، ويدخل في اللغو
سورة النمل
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنها كالتتمة لها، في ذكر بقية القرون، فزاد سبحانه فيها ذكر سليمان، وداود، وبسط فيها قصة لوط أبسط مما هي في الشعراء وقد روينا عن إبن عباس، وجابر بن زيد، في ترتيب السور: أن الشعراء أنزلت، ثم طه، ثم القصص ولذلك كان ترتيبها في المصحف هكذا