فانظر ثانية الحواميم وهي فصلت، كيف شابهت ثانية ذوات (الر)هود في تغيير الأسلوب في وصف الكتاب وأن في هود: (كتاب أُحكِمَت آياته ثُم فُصلت) وفي فصلت: (كتاب فصلت آياتهُ) وفي سائر ذوات (الر) (تلك آيات الكتاب) وفي سائر الحواميم: (تنزيلُ الكتاب) أو (والكتاب) وروينا عن جابر بن زيد وابن عباس في ترتيب نزول السور: أن الحواميم نزلت عقب الزمر، وأنها نزلت متتاليات كترتيبها في المصحف: المؤمن، ثم السجدة، ثم الشورى، ثم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف ولم يتخللها نزول غيرها وتلك مناسبة جلية واضحة في وضعها هكذا ثم ظهر لي لطيفة أخرى، وهي: أنه في كل ربع من أرباع القرآن توالت سبع سور مفتتحة بالحروف المقطعة فهذه السبع مصدرة ب(حم) وسبع في الربع الذي قبله ذوات (الر) الست متوالية، و (المص) الأعراف، فإنها متصلة بيونس على ما تقدمت الإشارة إليه وافتتح أول القرآن بسورتين من ذلك، وأول النصف الثاني بسورتين وقال الكرماني في العجائب: ترتيب الحواميم السبع لما بينها من التشاكل الذي خصت به، وهو: أن كل سورة منها اسفتحت بالكتاب أو وصفه، مع تفاوت المقادير في الطول والقصر، وتشاكل الكلام في النظام انتهى قلت: وانظر إلى مناسبة ترتيبها، فإن مطلع غافر مناسب لمطلع الزمر، ومطلع فصلت التي هي ثانية الحواميم مناسب لمطلع هود، التي هي ثانية ذوات (الر) ومطلع الرخرف مؤاخ لمطلع الدخان، وكذا مطلع الجاثية لمطلع الأحقاف
سورة القتال
لا يخفى وجه ارتباط أولها بقوله في آخر الأحقاف: (فهَل يهلك إِلا القوم الفاسقون) واتصاله وتلاحمه، بحيث أنه لو أسقطت البسملة منه، لكان متصلاً اتصالاً واحداً لا تنافر فيه، كالآية الواحدة، آخذاً بعضه بعنق بعض
سورة الفتح
لا يخفى وجه حسن وضعها هنا، لأن الفتح بمعنى النصر، مرتب على القتال وقد ورد في الحديث: أنها مبينة لما يفعل به وبالمؤمنين، بعد إبهامه في قوله تعالى في الأحقاف: (وما أَدري ما يفعل بي ولا بكم) فكانت متصلة بسورة الأحقاف من هذه الجملة
سورة الحجرات
لا يخفى تآخي هاتين السورتين الفتح والحجرات مع ما قبلهما، لكونهما مدنيتين، ومشتملتين على أحكام فتلك فيها قتال الكفار، وهذه فيها قتال البغاة وتلك ختمت بالذين آمنوا، وهذه افتتحت بالذين آمنوا وتلك تضمنت تشريفاً له صلى الله عليه وسلم، خصوصاً مطلعها، وهذه أيضاً في مطلعها أنواع من التشريف له صلى الله عليه وسلم
سورة الذاريات
أقول: لما ختمت (ق) بذكر البعث، واشتملت على ذكر الجزاء، والجنة والنار، وغير ذلك من أحوال القيامة، افتتح هذه السورة بالإقسام على أن ما توعدون من ذلك لصادق، وإن الدين - وهو الجزاء - لواقع ونظير ذلك: افتتاح المرسلات بذلك، بعد ذكر الوعد والوعيد والجزاء في سورة الإنسان
سورة الطور
أقول: وجه وضعها بعد الذاريات: تشابههما في المطلع والمقطع، فإِن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين بقوله: (إِنَّ المُتَقينَ في جناتٍ) وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار، بقوله في تلك: (فويلٌ للَذينَ كفروا) وفي هذه: (فالذينَ كَفَروا)
سورة النجم
أقول: وجه وضعها بعد الطور: أنها شديدة المناسبة لها، فإن الطور ختمت بقوله: (وإِدبار النجوم) وافتتحت هذه بقوله: (والنجمِ إِذا هوى) ووجه آخر: أَن الطور ذكر فيها ذرية المؤمنين، وأنهم تبع لآبائهم، وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله: (هوَ أَعلم بكم إِذ أَنشأَكم من الأَرض) ولما قال هناك في المؤمنين: (أَلحقنا بهم ذريتهم وما أَلتناهم من عملهم من شيء) أي: ما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين، مع نفعهم بما عمل آباؤهم قال هنا في صفة الكفار أو بني الكفار: (وأن ليسَ للإِنسان إِلا ما سعى) خلاف ما ذكر في المؤمنين الصغار وهذا وجه بين بديع في المناسبة، من وادي التضاد
سورة القمر
أقول: لا يخفى ما في توالى هاتين السورتين من حسن التناسق في التسمية، لما بين النجم والقمر من الملابسة، ونظيره توالى الشمس والليل والضحى، وقبلها سورة الفجر


الصفحة التالية
Icon