ووجه آخر، وهو: أن هذه السورة بعد النجم كالأعراف بعد الأنعام، وكالصافات بعد يس، في أنها تفصيل لأحوال الأمم المشار إلى إهلاكهم إلى قوله هناك: (وأَنه أَهلكَ عاداً الأولى وثمود فما أَبقى وقوم نوح من قبل إِنهم كانوا هُم أَظلم وأَطغى والمؤتَفِكة أَهوى)
سورة الرحمن
أقول: لما قال سبحانه وتعالى في آخر القمر: (بل الساعةِ موعدهم والساعة أَدهى وأَمر) ثم وصف حال المجرمين في سقر، وحال المتقين في جنات ونهر، فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل، على الترتيب الوارد في الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة، والإشارة إلى إدهائها، ثم وصف النار وأهلها، والجنة وأهلها، ولذا قال فيهم (ولِمن خافَ مقام ربهِ جنتان) وذلك هو عين التقوى ولم يقل: لمن آمن وأطاع، أو نحوه، لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل وعرف بذلك أن هذه السورة بأسرها شرح لآخر السورة التي قبلها فلله الحمد على ما ألهم وفهم
سورة الواقعة
أقول: هذه السورة متآخية مع سورة الرحمن في أن كلا منهما في وصف القيامة، والجنة والنار وانظر إلى اتصال قوله هنا: (إِذا وقعت الواقعة) بقوله هناك: (فإِذا انشقت السماء) ولهذا اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء، وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة ولهذا عكس في الترتيب فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك، كما أشرت إِليه في سورة آل عمران مع سورة البقرة فافتتح الرحمن بذكر القرآن، ثم ذكر الشمس والقمر، ثم ذكر النبات، ثم خلق الإنسان، والجان من مارج من نار، ثم صفة القيامة، ثم صفة النار، ثم صفة الجنة وابتدأ هذه بذكر القيامة ثم صفة الجنة، ثم صفة النار، ثم خلق الإنسان، ثم النبات، ثم الماء، ثم النار، ثم النجوم، ولم يذكرها في الرحمن، كما لم يذكر هنا الشمس والقمر، ثم ذكر القرآن فكانت هذه السورة كالمقابلة لتلك، وكردّ العجز على الصدر
سورة الحديد
قال بعضهم: وجه اتصالها بالواقعة: أنها قدمت بذكر التسبيح، وتلك ختمت بالأمر به قلت: وتمامه: أن أول الجديد واقع موقع العلة للأمر به، وكأنه قال (فسَبِح باسم ربك العظيم) لأنه (سبح للَهِ ما في السموات والأَرض)
سورة المجادلة
أقول: لما كان في مطلع الحديد ذكر صفاته الجليلة، ومنها: الظاهر والباطن، وقال: (يعلمُ ما يلجُ في الأَرضِ وما يخرجُ منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كُنتُم) افتتح هذه بذكر أنه سمع قوله المجادلة التي شكت إليه ﷺ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها حين نزلت: (سُبحانَ الذي وسِعَ سمعهُ الأَصوات، إِني لفي ناحية البيت لا أَعرف ما تقول) وذكر بعد ذلك قوله: (أَلم تر أَن اللَهَ يعلمُ ما في السموات وما في الأَرض ما يكون من نجوى ثلاثة إِلا هو رابعهم) وهو تفصيل لقوله: (وهوَ معكُم أَينما كنتُم) وبذلك تعرف الحكمة في الفصل بها بين الحديد والحشر، مع تآخيهما في الافتتاح ب (سبح)
سورة الحشر
آخر سورة المجادلة نزل فيمن قتل أقرباؤه من الصحابة يوم بدر وأول الحشر نازل في غزوة بني النضير، وهي عقبها، وذلك نوع من المناسبة والربط وفي آخر تلك: (كتب اللَه لأَغلبن أَنا ورسُلي) وفي أول هذه: (فأَتاهم اللَهُ مِن حيثُ لم يحتسبوا وقذفَ في قلوبهم الرعب) وفي آخر تلك ذكر من حاد اللَه ورسوله، وفي أَول هذه ذكر من شاق اللَه ورسوله
سورة الممتحنة
أقول: لما كانت سورة الحشر في المعاهدين من أهل الكتاب، عقبت بهذه، لاشتمالها على ذكر المعاهدين من المشركين، لأنها نزلت في صلح الحديبية ولما ذكر في الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، ثم موالاة الذين من أهل الكتاب، افتتح هذه السورة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء، لئلا يشابهوا المنافقين في ذلك، وكرر ذلك وبسطه، إلى أن ختم به، فكانت في غاية الاتصال، ولذلك فصل بها بين الحشر والصف، مع تآخيهما في الافتتاح ب (سبح)
سورة الصف
أقول: في سورة الممتحنة ذكر الجهاد في سبيل الله، وبسطه في هذه السورة أبلغ بسط
سورة الجمعة