أقول: ظهر لي في وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما ذكر في سورة الصف حال موسى مع قومه، وأذاهم له، ناعياً عليهم ذلك، ذكر في هذه السورة حال الرسول صلى الله عليه وسلم، وفضل أمته، تشريفاً لهم، ليظهر فضل ما بين الأمتين، ولذا لم يعرض فيها الذكر اليهود وأيضاً لما ذكر هناك قول عيسى: (ومُبشراً برسول يأَتي من بَعدي اسمُهُ أَحمد) قال هنا: (هوَ الذي بعث في الأُميين رَسولاً منهم) إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى وهذا وجه حسن في الربط وأيضاً لما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه تجارة، ختم هذه بالأمر بالجمعة، وأخبر أنها خير من التجارة الدنيوية وأيضاً: فتلك سورة الصف، والصفوف تشرع في موضعين: القتال، والصلاة، فناسب تعقيب سورة صف القتال بسورة صلاة تستلزم الصف ضرورة، وهي الجمعة، لأن الجماعة شرط فيها، دون سائر الصلوات فهذه وجوه أربعة فتح الله بها
سورة المنافقون
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون، وهذه ذكر فيها أضدادهم، وهم المنافقون ولهذا أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة يحرض بها المؤمنين، وبسورة المنافقين يفزع بها المنافقين وعام المناسبة أن السورة التي بعدها فيها ذكر المشركين، والسورة التي قبل الجمعة فيها ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى والتي قبلها وهي الممتحنة فيها ذكر المعاهدين من المشركين والتي قبلها وهي الحشر فيها ذكر المعاهدين من أهل الكتاب، فإنها نزلت في بني النضير حين نبذوا العهد وقوتلوا وبذلك أتضحت المناسبة في ترتيب هذه السور الست هكذا، لاشتمالها على أصناف الأمم، وفي الفصل بين المسبحات بغيرها لأن إيلاء سورة المعاهدين من أهل الكتاب بسورة المعاهدين من المشركين أنسب من غيره وإيلاء سورة المؤمنين بسورة المنافقين أنسب من غيره فظهر بذلك أن الفصل بين المسبحات التي هي نظائر لحكمة دقيقة من لدن حكيم خبير، فلله الحمد على ما فهم وألهم هذا وقد ورد عن ابن عباس في ترتيب النزول: أن سورة التغابن نزلت عقب الجمعة، وتقدم نزول سورة المنافقون فما فصل بينهما إلا لحكمة والله أعلم
سورة التغابن
أقول: لما وقع في آخر سورة المنافقون: (وأَنفِقوا ممّا رَزقناكُم مِن قبلِ أَن يأَتي أَحدكُم الموت) عقب بسورة التغابن، لأنه قيل في معناه: إن الإنسان يأتي يوم القيامة، وقد جمع مالاً، ولم يعمل فيه خيراً، فأخذه وارثه بسهولة، من غير مشقة في جمعه، فأنفقه في وجوه الخير، فالجامع محاسب معذب مع تعبه في جمعه، والوارث منعَّم مثاب، مع سهولة وصوله إليه وذلك هو التغابن فارتباطه بآخر السورة المذكورة في غاية الوضوح ولهذا قال هنا: (وأَنفِقوا خيراً لأَنفُسَكُم ومَن يوقَ شُحَ نَفسِهِ فأولَئكَ هُم المُفلِحون) وأيضاً ففي آخر تلك: (لا تُلهِكُم أَموالِكُم وَلا أَولادكُم عَن ذكرِ اللَهِ) وفي هذه: (إِنَّما أَموالكُم وأَولادكم فتنة) وهذه الجمة كالتعليل لتلك الجملة، ولذا ذكرت على ترتيبها وقال بعضهم: لما كانت سورة المنافقون رأس ثلاث وستين سورة، أشير فيها إلى وفاة النبي ﷺ بقوله: (ولَن يؤخِر اللَهُ نفساً إِذا جاءَ أَجَلُها) فانه مات على رأس ثلاث وستين سنة، وعقبها بالتغابن، ليظهر التغابن في فقده صلى الله عليه وسلم
سورة الطلاق
أقول: لما وقع في سورة التغابن: (إِنَّ مِن أَزواجِكُم وأَولادِكُم عدواً لَكُم) وكانت عداوة الأزواج تفضي إلى الطلاق، وعداوة الأولاد قد تفضي إلى القسوة، وترك الإنفاق عليهم، عقب ذلك بسورة فيها ذكر أحكام الطلاق، والإنفاق على الأولاد والمطلقات بسببهم
سورة التحريم
أقول: هذه السورة متآخية مع التي قبلها بالافتتاح بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك مشتملة على طلاق النساء، وهذه على تحريم الإيلاء وبينهما من المناسبة مالا يخفى ولما كانت تلك في خصام نساء الأمة، ذكر في هذه خصومة نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إعظاماً لمنصهن أن يذكرن مع سائر النسوة، فأفردن بسورة خاصة، ولهذا ختمت بذكر امرأتين في الجنة: آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران
سورة تبارك