وله حالة ثالثة متأخرة فيها، وهي أخذ صاحبه باليمين أو غيرها، وذلك يوم القيامة، فناسب تأخير السورة التي فيها ذلك، عن السورة التي فيها الحالة الثانية، وهي الانشقاق، فلله الحمد على ما من بالفهم لأسرار كتابه ثم رأيت الإمام فخر الدين قال في سورة المطففين أيضاً: اتصال أولها بآخر ما قبلها ظاهر، لأنه تعالى بين هناك أن يوم القيامة من صفته: (لا تملِكُ نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأَمرُ يومئذٍ لِلَه) وذلك يقتضى تهديداً عظيماً للعصاة، فلهذا أتبعه بقوله: (ويلُ للمُطَفِفين)
سورة الانشقاق
قد استوفى الكلام فيها في سورة المطففين
سورة البروج والطارق
أقول: هما متآخيتان فقرنتا، وقدمت الأولى لطولها، وذكرا بعد الانشقاق للمؤاخاة في الافتتاح بذكر السماء، ولهذا ورد في الحديث ذكر السموات مراداً بها السور الأربع، كما قيل: المسبحات
سورة الأعلى
أقول: في سورة الطارق ذكر خلق النبات والإنسان في قوله: (والأَرض ذات الصدع) وقوله: (فلينظُرُ الإِنسانُ مِمَّ خُلِق) إلى (إِنَّهُ عَلى رجعهِ لقادر) وذكره في هذه السورة في قوله: (خَلقَ فسوى) وقوله في النبات: (والَذي أَخرج المَرعى فجعَلهُ غُثاءً أَحوى) وقصة النبات في هذه السورة أبسط، كما أن قصة الإنسان هناك أبسط نعم، ما في هذه السورة أعم، من جهة شموله للإنسان وسائر المخلوقات
سورة الغاشية
أقول: لما أشار سبحانه في سورة الأعلى بقوله: ( سَيَذكَّرُ مَن يَخشى ويَتَجنَبُها الأَشقى الذي يَصلى النارَ الكُبرى) إِلى قوله: (والآخرةُ خيرٌ وأَبقى) إلى المؤمن والكافر، والنار والجنة إجمالا، فصل ذلك في هذه السورة فبسط صفة النار والجنة مستندة إلى أهل كل منهما، على نمط ما هنالك، ولذا قال هنا: (عامِلةٌ ناصِبة) في مقابل: (الأَشقى) هناك وقال هنا (تَصلى ناراً حامية) إلى: (لا يُسمِنُ ولا يُغني مِن جوع) في مقابلة: (يَصلى النارَ الكُبرى) هناك ولما قال هناك في الآخرة: (خيرٌ وأَبقى) بسط هنا صفة الجنة أكثر من صفة النار، تحقيقاً لمعنى الخيرية
سورة الفجر
أقول: لم يظهر لي من وجه ارتباطها سوى أن أولها كالإقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها، من قوله جل جلاله: (إِنَّ إِلينا إِيابَهُم ثُمَ إِنَّ عَلينا حِسابَهُم) وعلى ما تضمنه من الوعد والوعيد كما أن أول الذاريات قسم على تحقيق ما في (ق)، وأول المرسلات قسم على تحقيق ما في (عم) هذا مع أن جملة (أَلَم تَرى كيفَ فَعَلَ رَبُكَ) هنا، مشابهة لجملة (أَفلا ينظرون) هناك
سورة البلد
أقول: وجه اتصالها بما قبلها أنه لما ذم فيها من أحب المال، وأكثر التراث، ولم يحض على طعام المسكين، ذكر في هذه السورة الخصال التي تطلب من صاحب المال، من فك الرقبة، والإطعام في يوم ذي مسغبة
سورة الشمس والليل والضحى
أقول: هذه الثلاثة حسنة التناسق جداً، لما في مطالعها من المناسبة، لما بين الشمس والليل والضحى من الملابسة، ومنها سورة الفجر، لكن فصلت بسورة البلد لنكتة أهم، كما فصل بين الانفطار والانشقاق وبين المسبحات، لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول، إنما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد، فإنه سبحانه لما ختمها بذكر أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة فقوله في الشمس (قَد أَفلحَ مَن زكاها) هم أصحاب الميمنة في سورة البلد، وقوله: (وقد خابَ من دساها) في الشمس، هم أصحاب المشأمة في سورة البلد، فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة: ولهذا قال الإمام: المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات، والتحذير من المعاصي ونزيد في سورة الليل: أنها تفصيل إجمال سورة الشمس، فقوله (فأَمّا مَن أَعطى واتقى) وما بعدها، تفصيل (قَد أَفلحَ مَن زكاها) وقوله: (وأَما مَن بَخِلَ واستغنى)، تفصيل قوله (وقَد خابَ مَن دساها) ونزيد في سورة الضحى: أنها متصلة بسورة الليل من وجهين فإن فيها (وإِنَّ لنا للآخرةُ والأُولى) وفي الضحى: (وللآخرةُ خيرٌ لكَ مِنَ الأُولى) وفي الليل (ولسوفَ يَرضى) وفي الضحى (ولسوفَ يُعطيكَ ربُكَ فترضى)


الصفحة التالية
Icon