قال: ووجه آخر، وهو: أنه لما أعطاه الكوثر، وهو: الخير الكثير، ناسب تحميله مشقاته وتكاليفه، فعقبها بمجاهدة الكفار، والتبرى منهم فلما امتثل ذلك أعقبه بالبشارة بالنصر والفتح، وإقبال الناس أفواجاً إلى دينه، وأشار إلى دنو أجله، فإنه ليس بعد الكمال إلا الزال
توقيع زوالا إذا قيل تم
سورة تبت
قال الإمام: وجه اتصالها بما قبلها: أنه لما قال: (لكُم دينكُم وَلي دين) فكأنه قيل: إلهي، وما جزائي؟ فقال الله له: النصر والفتح فقال: وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام؟ فقال: (تبت يدا أَبي لهبٍ) وقدم الوعد على الوعيد ليكون النصر معللاً بقوله: (ولي دين) ويكون الوعيد راجعاً إلى قوله: (لَكُم دينكُم) على حد قوله: (يومَ تبيضُ وجوه وتَسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم) قال: فتأمل في هذه المجانسة الحافلة بين هذه السور، مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل بالمدينة، والكافرون وتبت من أوائل ما نزل بمكة، ليعلم أن ترتيب هذه السور من الله، وبأمره قال: ووجه آخر، وهو: أنه لما قال (لَكُم دينكُم ولي دين) كأنه قيل: يا إلهي، ما جزاء المطيع؟ قال: حصول النصر والفتح فقيل: وما ثواب العاصي؟ قال: الخسارة في الدنيا، والعقاب في العقبى، كما دلت عليه سورة تبت
سورة الاخلاص
قال بعضهم: وضعت ههنا للوزان في اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة تَّبت وأقول: ظهر لي هنا غير الوزان في اللفظ: أن هذه السورة متصلة بقل يا أيها الكافرون في المعنى ولهذا قيل: من أسمائها أيضاً الإخلاص وقد قالوا: إنها اشتملت على التوحيد، وهذه أيضاً مشتملة عليه ولهذا قرن بينهما في القراءة في الفجر، والطواف، والضحى، وسنة المغرب، وصبح المسافر، ومغرب ليلة الجمعة وذلك أنه لما نفى عبادة ما يعبدون، صرح هنا بلازم ذلك، وهو أن معبوده أحد، وأقام الدليل عليه بأنه صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ولا يستحق العبادة إلا من كان كذلك، وليس في معبوداتهم ما هو كذلك وإنما فصل بين النظيرتين بالسورتين لما تقدم من الحكمة، وكأن إيلاءها سورة تبت ورد عليه بخصوصه
سورة الفلق والناس
أقول: هاتان السورتان نزلنا معاً، كما في الدلائل للبيهقي فلذلك قُرتنا، مع ما اشتركتا فيه من التسمية بالمعوذتين، ومن الافتتاح بقل أعوذ، وعقب بهما سورة الإخلاص، لأن الثلاثة سميت في الحديث بالمعوذات، وبالقوافل وقدمت الفلق على الناس - وإن كانت أقصر منها - لمناسبة مقطعها في الوزان لفواصل الإخلاص مع مقطع تبت وهذا آخر ما من الله به على من استخراج مناسبات ترتيب السور، وكله من مستنبطاتي، ولم أعثر فيه على شيء لغيري إلا النزر اليسير الذي صرحت بعزوى له، فلله الحمد على ما ألهم، والشكر على ما من به وأنعم، سبحانك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ثم رأيت الإمام فخر الدين ذكر في تفسيره كلاماً لطيفاً في مناسبات هذه السور، فقال في سورة الكوثر: أعلم أن هذه السورة كالمتممة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها أما الأول، فلأنه تعالى جعل سورة الضحى في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وتفصيل أحواله، فذكر في أولها ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته (ما ودعكَ ربُكَ وما قلى وللآخرةُ خيرٌ لكَ من الأولى ولسوفَ يُعطيكَ رَبُكَ فترضى) ثم ختمها بثلاثة أحوال من أحواله فيما يتعلق بالدنيا: (أَلم يجِدكَ يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدكَ عائلاً فأغنى) ثم ذكر في سورة ألم نشرح أنه شرفه بثلاثة أشياء: شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر ثم شرفه في سورة التين بثلاثة أشياء أنواع: أقسم ببلده، وأخبر بخلاص أمته من الناس بقوله: (إلا الذين آمنوا) ووصولهم إلى الثواب بقوله: (فلهم أَجرٌ غيرُ ممنون) وشرَّفه في سورة اقرأ بثلاثة أنواع: (اقرأ باسم ربِكَ) وقهر خصمه بقوله: (فليدع ناديه سندع الزبانية) وتخصيصه بالقرب في قوله: (واسجد واقترب) وشرفه في سورة القدر بليلة القدر، وفيها ثلاثة أنواع من الفضيلة: كونها خيراً من ألف شهر، وتنزل الملائكة والروح فيها، وكونها سلاماً حتى مطلع الفجر وشرفه في (لم يكُن) بثلاثة أشياء: أنهم خير البرية، وجزاؤهم جنات، ورضى عنهم


الصفحة التالية
Icon