« بِئْس » فعل ماض غير متصرِّف، معناه الذَّمُّ، فلا يعمل إلاَّ في معرَّف ب « أل » أو فيما أضيف إلى ما هُمَا فيه، أو في مضمر مفسَّر بنكرة، أو في « مَا » على قول سيبويه.
وفيه لغات : بَئِسَ بكسر العين وتخفيف هذا الأصل، وبِئِسَ بكسر الفاء إتباعاً للعين، وتخفيف هذا الإتباع، وهو أشهر الاستعمالات ومثلها « نِعْمَ » في جميع ما تقدم من الأحكام واللغات.
قال ابن الخطيب : ما كان ثانية حرفَ حَلْق وهو مكسورٌ يجوز فيه أربع لغات :
الأول : على الأصل أعني : بفتح الأول وكسر الثاني.
والثاني : إتباع الاول للثاني، وهو أن يكون بكسر النون والعين، كما يقال :« فِخِذٌ » بكسر الفاء والخاء، وهم وإن كانوا يفرُّون من الجمع بين الكَسْرتين إلاَّ أنهم جَوّزوه ها هنا؛ لكون الحرف الحَلْقيٍّ مستتبعاً لما يجاوره.
الثالث : إسكان الحرف الحَلْقيِّ المكسور، وترك ما قبله ما كان، فيقال : نَعْمَ وَبَأْسَ بفتح الأول وإسكان الثاني؛ كما يقال :« فَخْذٌ ».
الرابع : أن يسكن الحرف الحَلْقِيُّ، وتنقل كسرته إلى ما قبله فيقال :« نِعْم » بكسر النون وإسكان العين؛ كما يقال :« فِخْذٌ » بكسر الفاء وإسكان الخاء.
واعلم أن هذا التغيير الأخير، وإن كان في حّدِّ الجواز عند إطلاق هاتين الكلمتين، إلاّ أنهم جعلوه لازماً لهما؛ لخروجهما عمًّا وضعت له الأفعالُ الماضية من الإخبار عن وجود المصدر في الزمان والماضي، وصيرورتهما كلمتي مَدْحِ وذَمٍّ، ويراد بهما المُبَالغة في المدح والذم؛ ليدلّ هذا التَّغيير اللازم في اللَّفظ على التغيير عن الأصل، وفي المعنى؛ فيقولون :« نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ » ولا يذكرونه على الأصل إلا في ضرورة الشِّعْر؛ كما أنشد المبرِّد :[ الرمل ]
٦٥٥ فَفِدَاءَ لِبَنِي قَيْسٍ عَلَى | مَا أَصَابَ النَّاسَ مِنْ شَرَّ وَضُرْ |
مَا أَقَلَّتْ قَدَمَايَ إِنَّهُمْ | نَعِمَ السَّاعُونَ في الأَمْرِ المُبِرْ |
والدليل عليه دخول التاء التي هي علامة التأنيث فيهما، فيقال : نعمتْ وبئستْ.
وزعم الكوفيون أنهما اسمان؛ مستدلين بدخول حرف الجر عليهما في قول حسان :[ الطويل ]
٦٥٦ أَلَسْتُ بِنِعْمَ الجَارُ يُؤْلِفُ بَيْتَهُ | مِنَ النَّاسِ ذّا مَالٍ كَثِيرٍ وَمُعْدِمَا |
٦٥٧ صَبَّحَكَ اللهُ بِخَيْرٍ بَاكِرِ | بِنِعْمَ طَيْرٍ وَشَبَابٍ فَاخِرِ |
فصل في نعم وبئس
اعلم أنَّ « نعم وبئس » أصلان للصّلاح والرَّدَاءة، ويكون فالعها اسماً يستغرق الجنس إما مظهراً وإما مضمراً، فالمظهر على وجهين :
الأول : كقولك :« نعم الرجل زيد » لا تريد رجلاً دون رجل، وإنما تقدص الرَّدل على الإطلاق.