قوله :« السِّلْم » قرأ هنا « السَّلْم » بالفتح نافعٌ، والكِسائيُّ، وابنُ كثيرٍ، والبَاقُونَ بالكَسْر، وأمَّا التي في الأَنْفال [ آية ٦١ ] فلم يَقْرَأْها بالكَسْرِ إلاَّ أَبُو بكرٍ وحدَه، عَنْ عاصِمٍ، والتي في القِتال [ آية : ٣٥ ] فلم يَقْرَأْها بالكَسْرِ إلاَّ حمزةُ وأَبُو بكرٍ أيضاً، وسيأتي. فقِيل : هَما بمعنىً، وهو الصلحُ مثل رَطْل ورِطْل وجَسْر وجِسْر وهو يُذَكَّر ويُؤَنَّث، قال تعالى :﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا ﴾، وحَكَوْا :« بَنُوا فُلانٍ سِلْمٌ، وسَلْمٌ »، وأصلُه من الاسْتِسْلاَمِ، وهو الانقيادُ، قال تعالى :﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين ﴾ [ البقرة : ١٣١ ] الإسلامُ : إسلامٌ الهدي، والسِّلْم على الصُّلْح، وترك الحرب راجع إلى هذا المعنى؛ لأَنَّ كُلَّ واحدٍ كَصَاحِبهِ، ويُطْلَقُ على الإِسلاَم قاله الكِسَائي وجماعةٌ؛ وأنشدوا :[ الوافر ]
١٠٢٢ - دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمَّا | رَأيْتُهُمُ تَوَلَّوا مُدْبِرينَا |
١٠٢٣ - شَرَائِعُ السَّلْمِ قَدْ بَانَتْ مَعَلِمُهَا | فَما يَرَى الكُفْرَ إِلاَّ مَنْ بِه خَبَلُ |
وقيل : بل هما مختلفا المعنى : فبالكَسْرِ الإِسلامُ، وبالفتحِ الصلحُ.
قال أبُو عُبَيدة : وفيه ثلاثُ لُغَاتٍ : السَّلْم والسِّلْم والسُّلْم بالفَتْح والكَسْر والضمِّ.
« كافةً » مَنْصُوبٌ على الحالِ، وفي صَاحِبهَا ثلاثةُ أقوالٍ.
أظهرها : أنه الفاعلُ في « ادْخُلُوا »، والمعنَى : ادخُلُوا السِّلْم جميعاً، وهذه حالٌ تُؤَكِّدُ معنى العمومِ، فإنَّ قولَكَ :« قام القومُ كافةً » بمنزلةِ : قَامُوا كلُّهم.
والثاني : أنه « السِّلْمُ » قالهُ الزَّمخشريُّ، وأَبُوا البقاءِ، قال الزمخشريُّ : ويَجُوزُ أن تكونَ « كافةً » حالاً من « السِّلْمِ » ؛ لأنها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحَرْبُ؛ قال الشاعر :[ البسيط ]
١٠٢٤ - السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ | والحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِها جُرَعُ |
فإذا قلت :« قامَ الناسُ كَافةً، وقَاطِبةً » لم يَدُلَّ شيءٌ من ذلك على التأْنِيثِ، كما لا يَدُلُّ عليه « كُلّ » و « جميع ».
والثالث : أَنْ يكونَ صاحبُ الحالِ هما جَمِيعاً : أضعْنِي فاعلَ « ادْخُلُوا » و « السِّلْم » فتكونُ حالاً مِنْ شَيْئَين.
وهذا ما أجازه ابنُ عطيةَ فإنه قال : وتَسْتَغْرقُ « كافة » حنيئذٍ المؤمِنين، وجميعَ أجزاءِ الشَّرْع، فتكونُ الحالُ مِنْ شَيْئَيْن وذلك جائِزٌ نحو قولِهِ :