قوله :﴿ الم ﴾ قد تقدكم الكلامُ على هذا مُشْبَعًا، ونقل الجرجانيُّ - هنا - أن « الم » إشارة، إلى حروف المعجم، كأنه يقول : هذه الحروفُ كتابك - أو نحو هذا - ويدل ﴿ لاا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب ﴾ على ما ترك ذكره من خبر هذه الحروف، وذلك في نظمه مثل قوله تعالى :﴿ أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ ؟ [ الزمر : ٢٢ ] وترك الجواب لدلالة قوله :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله ﴾ [ الزمر : ٢٢ ] عليه؛ تقديره : كمن قسا قلبه.
ومنه قول الشاعر :[ الطويل ]
١٣١٥... - فَلاَ تَدفِنُونِي إنَّ دَفْنِي مُحَرَّمٌ
عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ خَامِرِي أمَّ عَامِرِ... أي : ولكن اتركوني للتي يقال لها خامري أم عامر « انتهى ».
قال ابنُ عطيةَ : يحسن في هذا القول - يعني قول الجُرْجَانيِّ - أن يكون « نَزَّلَ » خبر، قوله :« اللهُ » حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى.
قال أبو حيَّان : وهذا الذي ذكره الجرجاني فيه نظر؛ لأن مثليته ليست صحيحة الشبع بالمعنى الذي نحا إليه، وما قاله في الآية محتمل، ولكن الأبرع في [ نظم ] الآية أن يكون « الم » لا يُضَمُّ ما بعدها إلى نفسها في المعنى، وأن يكون قوله ﴿ الله لاا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم ﴾ كلاماً مبتدأ جملة رادة على نصارى نجران.
قال شهاب الدينِ : وهذا الذي ردَّه الشيخُ على الجرجانيِّ هو الذي اختاره الجرجانيُّ وجعله أحسنَ الأقوالِ التي حكاها في كتابه « نَظْم الْقُرْآنِ ».
قوله :﴿ لاا إله إِلاَّ هُوَ ﴾ يجور أن تكون هذه الجملة خَبَرَ الجَلاَلَة، و « نَزَّلَ عَلَيْكَ » خَبْرٌ آخَرُ، ويجوز أن يَكُونَ ﴿ لاا إله إِلاَّ هُوَ ﴾ مُعْتَرِضَة بين المبتدأ والخَبَرِ، ويجوز أن يكون حَالاً، وفي صاحبه احتمالان :
أحدهما : أن يكون لَفْظَ الجلالة.
والثاني : أن يكون الضمير في « نَزَّلَ » تقديره : نَزَّل عليك الكتاب متوحِّداً بالربوبية. ذكره مَكِّيٌّ، والأَوَّلُ أولَى.
وةقرأ الجمهور ﴿ الم الله ﴾ بفتح الميم، وإسقاط همزة الجلالة، واختلفوا في فتحة هذه الميم على ستة أوْجُهٍ :
أحدها : أنها حركة التقاء الساكنين، وهو مذهب سيبويه، وجمهورِ الناس.
فإن قيل : أصل التقاء الساكنين الكَسْرُ، فلِمَ عُدِلَ عنهُ؟
فالجوابُ : أنهم لو كَسَروا لكان ذلك مُفْضِياً إلى ترقيق الميم لام الجلالة، والمقصود تفخيمها للتعظيم، فأوثر الفتح لذلك، وأيضاً : فقبل هذه ياء [ وهي أخت الكسرة وأيضاً فصل هذه الياء كسرة ]، فلو كسرنا الميم الأخيرة لالتقاء الساكنين لتوالى ثلاث متجانسات، فحركوها بالفتح كما حركوا في نحو : مِنَ اللهِ، وأما سقوط الهمزة فواضحٌ، وبسقوطها التقى الساكنان.
الثاني : أن الفتحة لالتقاء الساكنين [ أيضاً ولكن الساكنين ] هما الياء التي قبل الميم، والميم الأخيرة، فحُرِّكت بالفتح لئلا يلتقي ساكنان، ومثله : أيْنَ وكَيْف [ وكيت، وذيت ]، وما أشبهها.