قوله :« تلْكَ » مبتدأ، ﴿ آيَاتُ الله ﴾ خبره، و « نَْلُوهَا » جملة حالية.
وقيل :﴿ آيَاتُ الله ﴾ بدل من « تِلْكَ »، و « نَتْلُوها » جملة واقعة خبر المتبدأ، و « بِالحَقِّ » حال من فاعل « نتلُوهَا »، أو مفعولة، وهي حال مؤكدة؛ لأنه - تعالى - لا ينزلها إلا على هذه الصفة.
وقال الزَّجَّاج :« في الكلام حذف، تقديره : تلك آيات القرآن حُجَجُ الله ودلائله ».
قال أبو حيان : فعلى هذا الذي قدَّره يكون خبر المبتدأ محذوفاً؛ لأنه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية، وهذا التقدير لا حاجة إليه؛ [ إذ الكلام مُسْتَغْنٍ عنه، تامٌّ بنفسه ].
والإشارة ب « تِلْكَ » إلى الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار، وتنعيم الأبرار، وإنما جاز إقامة « تلك » مقام هذه؛ لأن هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذكر، فصارت كأنها بعدت، فقيل فيها :« تلك ».
وقيل : لأن الله - تعالى - وعده أن يُنزل عليه كتاباً مشتملاً على ما لا بدّ منه في الدين، فلما أنزل هذه الآيات قال : تلك الآيات الموعودة هي التي نتلوها عليك.
وقرأ العامة « نَتْلُوها » - بنون العظمة - وفيه التفات من الغيبة إلى التكلَّم.
وقرأ أبو نُهَيْك :« يتلوها » بالياء - من تحت - وفيه احتمالان :
أحدهما : أن يكون الفاعل ضمير الباري - تعالى - لتقدُّم ذكره في قوله :﴿ آيَاتُ الله ﴾ ولا التفات في هذا التقدير، بخلاف قراءة العامة.
الثاني : أن يكون الفاعل ضمير جبريل.
قوله :﴿ بالحق ﴾ فيه وجهان :
لأول : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه.
الثاني : بالحق، أي : بالمعنى الحق؛ لأن معنى المتلُوِّ حَقّ.
قوله :﴿ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ اللام - في « لِلْعَالَمِينَ » - زائدة - لا تعلُّق لها بشيء، زيدت في مفعول المصدر وهو ظلم والفاعل محذوف، وهو - في التقدير - ضمير الباري، و التقدير : وما الله يريد أن يظلم العالمين، فزيدت اللام، تقوية للعامل؛ لكونه فرعاً، كقوله :﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [ البروج : ١٦ ].

فصل


وقيل : معنى الكلام : وما الله يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض، ورُدَّ هذا بأنه لو كان المراد هذا لكان التركيب ب « من » أولى منه باللام، فكان يقال : ظلماً من العالمين، فهذا معنى ينبو عنه اللفظ. ونكر « ظلماً » ؛ لأنه في سياق النفي، فهو يعم كل أنواع الظلم، وحسن ذكر الظلم - هنا-، لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة، وهو تعالى أكرم الأكرمين، فكأنه - تعالى يعتذر عن ذلك، فقال : إنهم إنما وقعوا في هذا العذاب بسبب أفعالهم.


الصفحة التالية
Icon