قرأ الأخوان، وأبو بكر : قُرْح - بضم القاف - وكذلك « القُرْحُ » معرَّفاً.
والباقون بالفتح فيهما.
فقيل : هما بمعنى واحد، ثم اختلف القائلون بهذا.
فقال بعضهم : المراد بهما : الجُرْح نفسه، وقال بعضهم- منهم الأخفش - المراد بهما المصدر، يقال : قَرِحَ الجُرح، يَقْرحُ، قَرْحاً، وقُرْحاً.
قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

١٦٢٩- وَبُدِّلْتُ قَرْحاً دَامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ لَعَلَّ مَنَايَانَا تَحَوَّلْنَ أبْؤُسَا
والفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم، فهما كالضَّعْف والضُّعْف، والكَرْه والكُرْه، والوَجْد والوُجْد.
وقال بعضهم : المفتوح : الجُرْح، والمضموم : ألَمُه، وهو قول الفراء.
وقرأ ابن السميفع بفتح القاف والراء، كالطرْد والطرَد.
وقال أبو البقاءِ :« وهو مصدر قَرِحَ يَقْرح، إذا صار له قُرْحَة، وهو بمعنى : دَمِيَ ».
وقُرِئَ قُرُح - بضمهما-.
قيل : وذلك على الإتباع كاليُسْر واليُسُر، والطُّنْب والطُّنُب.
وقرأ الأعمش :« إن تمسسكم قروح » - بالتاء من فوق، [ وصيغة الجمع في الفاعل ]، وأصل المادة : الدلالة على الخُلُوص، ومنه الماء القَرَاح، الذي لا كُدُورةَ فيه.
قال الشاعر :[ الوافر ]
١٦٣٠- فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ، وَكُنْتُ قَبْلاً أكَادُ أغَصُّ بِالْمَاءِ الْقَرَاح
وأرض قرحة - اي : خالصة الطين - ومنه قريحة الرجل - اي : خالص طَبْعه-.
وقال الراغب :« القَرْح الأثر من الجراحة من شيء يُصيبه من خارج، والقُرْح - يعني : بالضم - أثرها من شيء داخل - كالبشرة ونحوها- يقال : قَرَحْته، نحو جَرَحْته.
قال الشاعر :[ البسيط ]
١٦٣١- لا يُسْلِمُونَ قَرِيحاً حَلَّ وَسَطَهُمُ يَوْمَ اللِّقَاءِ، ولا يُشْوُونَ مَنْ قَرَحُوا
أي : جرحوا. وقرح : خرج به قرح.
ويقال : قَرَحَ قلبُه، وأقرحه الله - يعني : فَعَل وأفْعَل فيه بمعنًى - والاقتراح : الابتداع والابتكار ومنه : اقترح عليَّ فلانٌ كذا، واقترحْتُ بِئراً : استخرجت منها ماءً قَرَاحاً. والقريحة - في الأصل - المكان الذي يجمتع فيه الماء المستنبط - ومنه استُعِيرت قريحةُ الإنسان - وفرس قارح، إذا أصابه أثَرٌ من ظُهور نَابِهِ، والأنْثَى قارحة، وروضة قرحاء، إذا كان في وسطها نَوْر؛ وذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء »
.
قوله :﴿ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ ﴾ للنحويين - في مثل هذا - تأويل، وهو أن يُقَدِّرُوا شيئاً مستقبلاً؛ لأنه لا يكون التعليق إلا في المستقبل - وقوله :﴿ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾ ماضٍ مُحَقَّق - وذلك التأويل هو التبيين، أي : فقد تَبَيَّن مَسُّ القرح للقوم وسيأتي له نظائر، نحو :﴿ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ ﴾ [ يوسف : ٢٦ ] و ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ ﴾ [ يوسف : ٢٧ ].
وقال بعضهم : جواب الشرط محذوف، تقديره : فتأسَّوا، ونحو ذلك.
وقال أبو حيان :« ومَنْ زعم أن جواب الشرط هو » فَقَدْ مَسَّ «، فهو ذاهل ».
قال شهابُ الدين :« غالب النحويين جعلوه جواباً، متأولين له بما ذكرت ».


الصفحة التالية
Icon