اللام في « ليذر » تُسمَّى لامَ الجحودِ، ويُنْصَب بعدها المضارع بإضمار « أن » ولا يجوز إظهارها. والفرق بين لام « كي » أن هذه -على المشهور- شرطها أن تكون بعد كون منفي، ومنهم من يشترط مضي الكونِ، ومنهم من لم يشترط الكون.
وفي خبر « كان » -هنا- وما أشبه قولان :
أحدهما : قولُ البصريينَ -أنه محذوفٌ، وأن اللامَ مقوية لتعدية ذلك الخبرِ المقدَّر لِضَعْفه، والتقدير : ما كان الله مُريداً لأن يَذَر، و « أن يذر » هو مفعول « مريداً » والتقديرُ : ما كان اللهُ مُريداً ترك المؤمنين.
الثاني : قول الكوفيين- أن اللامَ زائدةٌ لتأكيدِ النفي، وأن الفعل بعدها هو خبرُ كانَ واللامُ عندهم هي العاملةُ النصْبَ في الفعل بنفسها، لا بإضمار « أن » والتقدير عندهم : ما كان الله ليذرَ المؤمنين.
وضعَّف أبو البقاء مذهبَ الكوفيين بأنّ النصب قد وُجِد بعد هذه اللامِ، فإن كان النصبُ بها نفسها فليست زائدةً، وإن كان النصبُ بإضمار « أن » فسَد من جهة المعنى لأن « أن » وما في حيزها بتأويل مصدر، والخبر في باب « كان » هو الاسم في المعنى، فيلزم أن يكون المصدر -الذي هو معنى من المعاني- صادقاً على اسمها، وهو مُحَالٌ.
وجوابه : أما قوله : إن كان النصبُ بها فليست زائدةً ممنوع؛ لأن العملَ لا يمنع الزيادةَ، ألا ترى انَّ حروف الجَرِّ تُزاد، وهي عاملة وكذلك « أن » عند الأخفشِ، و « كان » في قول الشاعر :[ الوافر ]
١٧٠٠-......................... | وَجِيرَان لَنَا كَانُوا كِرَام |
فصل
وجه النظم : أن هذه الآية من بقية أحُد، فأخبر -تعالى- أن الأحوالَ التي وقعتْ في تلك الحادثةِ- من القتل والهزيمة، ثم دعا النبي ﷺ إلى الخروج إلى العدو مع من كان بهم من الجراحاتِ، ثم دعاهم مرة أخْرَى إلى بدرٍ الصُّغْرَى، لموعد أبي سفيانَ -دليلٌ على امتيازِ المؤمنين من المنافقين، فأخبر -تعالى- بأنه لا يجوزُ- في حكمته- أن يترككم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم، وإظهارهم أنهم منكم- بل يجب في حكمته أن يُمَيِّز الخبيث -وهو المنافق- من الطيب -وهو المؤمن-.