قرأ ابْن جُبَيْرٍ، وابنُ مَسْعُود :« كَبِيرَ » بالإفراد والمرادُ به الكُفْرُ وقرأ المفضّلُ :« يُكَفِّر »، « ويدخلكم » بياء الغَيْبَةِ للهِ تعالى.
وقرأ ابْنُ عَبَّاسٍ :« من سيئاتكم » بزيادة « من ». وقَرَأَ نَافِعٌ وحده هنا وفي الحج :« مَدْخَلاً » بفتح الميم، والباقُونَ بضمها، ولم يَخْتَلِفُوا في ضَمِّ التي في الإسراء. فأمَّا مَضْمُومُ الميم، فإنَّهُ يحتملُ وجهين :
أحدهُمَا : أنَّهُ مَصْدرٌ وقد تَقَرَّر أنَّ اسْمَ المصْدَرِ من الرُّبَاعِيّ فما فَوْقَهُ كاسْمِ المفعُولِ، والمدخول فيه على هذا مَحْذُوفٌ أي :« ويدخلكم الجنة إدخالاً ».
والثَّانِي : أنَّهُ اسمُ مَكَانِ الدُّخُولِ، وفي نصبه حينئذٍ احتِمَالاَنِ «
أحدهُمَا : أنَّهُ منصوبٌ على الظَّرْفِ، وهو مَذْهَبُ سيبوَيْهِ.
والثَّاني : أنَّه مفعولٌ به، وهو مَذْهَبُ الأخْفَشِ، وهكذا كُلُّ مكان مختص بعد »
دخل « فإنَّ فيه هذين المذْهَبَيْنِ، وهذه القِرَاءَةُ واضحةٌ، لأنَّ اسم المصْدَرِ، والمكان جَارِيَانِ على فعليهما.
وَأمَّا قِرَاءةُ نافِع، فتحتاجُ إلى تأويل، وذلك لأنَّ الميمَ المفتوحة إنَّما هو من الثُّلاثِيُّ، والفعل السَّابقُ لهذا رُباعِيّ فقيل : إنَّهُ منصوبٌ بفعل مقدّر مطاوع لهاذ الفِعْلِ، والتقدِيرُ : يدخلكم، فتدخلون مدخلاً.
و »
مَدْخَلاً « مَنْصُوبٌ على ما تقدَّمَ : إمَّا المصدريّة، وإما المَكَانِيَّة بوجهيها.
وقيل : هُوَ مصْدَرٌ عَلَى حَذْفِ الزَّوائِدِ نحو :﴿ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً ﴾ [ نوح : ١٧ ] على أحد القَوْلَيْنِ.

فصل


روى ابْنُ عمرو عن النَّبِي ﷺ أنَّهُ قال :»
الكَبَائِرُ الإشْرَاكُ باللهِ عزَّ وجلَّ وعقوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ «.
وقال عليه السَّلام :»
ألاَ أنبِئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِر؟ « ثلاثاً. فقالوا : بَلَى يا رسُولَ اللَّهِ. قال :» الإشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِديْنِ -وَكَانَ مُتّكئاً فَجَلَسَ- وَقَالَ : ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ « فما زال يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ.
وعن عُمَرَ بْنِ شراحيل عن عَبْدِ اللَّهِ قال : قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ : أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ. قال :»
أنْ تَجْعَلَ للَّهِ نِدَّاً وَهُوَ خَالِقُكَ « قال : ثُمَّ أي. قال :» لأنْ تَقْتَلُ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أنْ يَأكُلَ مَعَكَ «. قُلْتُ : ثمَّ أيْ. قال » أنْ تُزَانِيَ حَليلَةَ جَارِك « فأنزلَ اللَّهُ -تعالى- تَصديقَ قَوْلِ النَّبي ﷺ في قوله تعالى :﴿ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] وعن أبي هريرةَ عنِ النَّبِي صلى اله عليه وسلم قال :» اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبقَاتِ قالُوا يا رَسُول اللَّهِ، وما هُنَّ؟ قال : الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بالحقِّ وأكْلُ الرَِّبَا، وأكْلُ مَالِ اليتيمِ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْف المُحصنَاتِ الغَافِلاَتِ «.
وقال عبدُ الله بْنُ مسعودِ : أكْبَرُ الكَبَائِرِ الشِّرْكُ باللَّهِ، والأمن من مَكْرِ اللَّه والقنوط من رحمة اللَّه، واليأسُ من روح اللَّهِ.


الصفحة التالية
Icon