قوله :« وماذا عليهم ».
قد تقدم الكلام على نَظِيرتِها، و « ماذا عليهم » استفهام بمعنى الإنكار.
قال القرطبي :« ما » : في موضع رفع بالابتداء، و « ذا » خبره، و « ذا » خبره، و « ذا » بمعنى الَّذِي، وهذا يحتمل أن يكُون الكلام قد تَمَّ هنا، ويجوز أن يكونُ « وماذا » اسماً واحداً، ويكون المَعنى أي : وأيُّ شيء عليهم في الإيمانِ باللهِ، أو ماذا عَلَيْهم من الوَبَال والعَذَابِ يَوْم القِيَامَة.
ثم استأنف بقوله :﴿ لَوْ آمَنُواْ ﴾ ويكُون جَوَابُهَا مَحْذُوفاً، أي : حصلت لهم السَّعَادة، ويحتمل أن يَكُون [ تمام ] الكَلاَمب « لو » ومَا بَعْدَها، وذلك على جَعْل « لو » مصدريَّة عند من يُثْبِتُ لها ذلك، أي : وماذا عليهم في الإيمان، ولا جَواب لها حينئذٍ، وأجاز ابن عطيَّة أن يَكُون ﴿ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ ﴾ جواباُ ل « لَوْ »، فإن أراد من جهة المَعْنَى فمُسلَّمٌ وإن أرادَ من جهة الصِّنَاعة فَفَاسِدٌ؛ لأن الجواب الصِّنَاعي لا يتقدّم عند البَصْرِيِّين، وأيضاً فالاستفهام لا يُجَاب ب « لو »، وأجاز أبُو البَقَاء في « لو » أن تكُون بمعنى « إن » الشَّرطيّة؛ كما جاء في قوله :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] أي : وأيُّ شيءٍ عليهم إن آمَنُوا.
قال الجبائي : ولو كانوا غَيْرَ قَادِرين، لم يجز أن يقُول الله ذلِك؛ كما لا يُقالُ لمن هُو في النَّار مُعَذِّب : ماذا عليهم لَوْ خَرَجُوا مِنْها، وصَارُوا إلى الجَنَّة، وكما لا يُقال للجَائِع الذي لا يَقْدِر على الطَّعام : ماذا عَلَيْه لو أكَل. [ وقال الكعبي ] لا يجوز أن يَمْنَعه القُدْرة، ثم يَقُول : ماذا عَلَيْه لو آمَنَ، كما [ لا ] يقال لمن بِه مَرَضٌ : ماذا عليه لَوْ كَانَ صَحِيحاً، ولا يُقَال للمرأة : ماذا عليها لو كَانَت رَجُلاً، وللقَبيح : ماذا عَلَيْه لو كان جميلاً كما لا يَحْسُن هذا القَوْل من العَاقِل، كذلك لا يَحْسُن من الله - تعالى-.
وقال القَاضِي عبد الجَبَّار : لا يُجوز أن يأمر العاقل وكيله بالتَّصرُّف في الصَّفَقَة، ويَحْبِسهُ بحيث لا يتمكَّنُ من مُفارقة الحَبْس، ثم يقولُ لَهُ : مَاذَا عليك لو تصَرَّفْت، وإذا كان من يَذكر مثل هذا الكلام [ سفيهاً ] دل ذلك على أنَّه على الله - تعالى - غير جَائِزٍ واعلم أن مِمَّا تمسَّك به المُعْتَزِلة من المَدْح والذَّمِّ والثَّواب والعِقَاب، معارضتهم بمسْألة العِلْم والدَّاعِي.
قال ابن الخَطِيب : قد يَحْسُن منه ما من غيره؛ لأن المُلْك مُلْكُه.
ثم قال :﴿ وَكَانَ الله بِهِم عَلِيماً ﴾ أي : عليم ببواطنِ الأمُور كما هو عَليمٌ بِظَاهِرِها، وهذا كالرَّدْع للمكلَّف عن القَبَائح من أفْعال القُلُوبِ؛ مثل النِّفاق والرِّيَاء والسُّمْعَة.


الصفحة التالية
Icon