اعلم أنَّهُ تعالى لما أمر الولاة بالعَدْلِ، أمر الرعية بطاعة الوُلاَةِ.
قال ابْنُ عَبَّاسٍ وجَابِرٌ : أولو الأمْرِ :[ هُمُ ] الفُقَهَاءُ، والعلماءُ الَّذِينَ يعلِّمُونَ النَّاسَ دينهم.
وهو قَوْلُ الحَسَنِ، والضَّحاكِ ومُجاهِدٍ. لقوله تعالى « ولو ردوه إلى الرسول [ وإلى ] أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ».
وقال أبُو هُرَيرَة : هم الأمَرَاءُ والوُلاة، وقال عليُّ بْنُ أبي طالبٍ : حقٌّ على الإمام أن يَحْكُمَ بما أنْزَلَ اللهُ، ويُؤَدِّي الأمَانَة، فإذا فَعَلَ ذلك؛ حَقَّ علي الرَّعِيَّةِ أنْ يَسْمَعُوا، وَيُطِيعُوا.
وروى أبُو هُرَيْرَة قال : قال رَسُولُ اللهِ ﷺ « مَنْ أطَاعَنِي؛ فَقَدْ أطَاعَ اللهَ، ومَنْ يَعْصِنِي، فَقَدْ عَصَى الله، ومَنْ يُطِعِ الأمِيرَ؛ فَقَدْ أطَاعَنِي ومن يعصي الأميرَ، فَقَدْ عَصَانِي » وقال عليه الصَّلاةُ والسلامُ « السَّمْعُ والطَّاعَةُ على المرءِ المُسْلِمِ فيما أحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ ».
وروى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قال : بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ على السَّمْعِ والطَّاعَةِ في اليُسْر، والعُسْر، والمَنْشَطِ، والمَكْرَه، وألاَّ نُنَازعَ الأمْرَ أهْلَهُ، وأنْ نَقُومَ، أوْ نَقُولَ بالحَقّ، حَيْثُ مَا كُنَّا، لا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.
وعن أنَسٍ : أنَّ النَّبي ﷺ قال لأبي ذرّ :« اسْمَعْ، وأطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيّ كأنَّ رَأسَهُ زَبيبة ».
وروى أبُو أمَامَةَ قال :« سَمِعْتُ رَسُول اللهِ ﷺ يَخْطِبُ في حجة الوَدَاعِ فقالَ :» اتَّقُوا اللهَ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وأدُّوا زَكَاةَ أمْوالِكُمْ، وأطِيعوا إذا أمَرَكُم؛ تَدْخُلُوا جَنَّةَ ربِّكُم «.
وقال سعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عن ابن عبَّاسٍ المُرادُ السَّرَايَا قال : نزلت هذه الآية في عبيد الله بن أبي حُذَافَةَ بْنِ قَيْس بْن عدِيّ السّهميّ إذ بعثه النّبي ﷺ [ في سرية، وعن ابن عباس أنَّها نزلت في خَالدِ بْنِ الوَلِيدِ بَعَثَهُ ] النبي ﷺ على سَرِيَّةٍ، وفيها عَمَّارُ بْنُ يَاسِر فجرى بَيْنَهُمَا اخْتِلاف في شَيْءٍ، فَنَزَلَتْ هذه الآية.
[ و ] قال عكْرمَة : أولو الأمْرِ أبُو بَكْر وعُمَر؛ لقوله - ﷺ - » [ اقتدوا ] باللذيْنِ من بَعْدِي أبِي بكْرٍ وعُمَر «، وقيلَ : هم الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُون.
وقال عَطَاء : هم المُهَاجِرُون والأنْصَار، والتَّابِعُون لهم بإحْسَانٍ؛ لقوله - تعالى- :﴿ والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار ﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] الآية، ولقوله- عليه السلام- :» مَثَلُ أصْحَابِي في أمَّتِي كالمِلْحِ في الطَّعَامِ، ولا يَصْلُح الطَّعَامُ إلا بالمِلْحِ «، وقال الحسَن : قد [ ذهب ] مِلحُنَا، فكيف نَصْلُحَ.
ونُقِلَ عن الرَّوافِضِ أنَّ المُرَاد بأولي الأمْرِ : الأئِمُّة المَعْصُومون.
فإن قيل : طَاعَةُ الرَّسُولِ هي طاعَةُ اللهِ، فالمعنى العَطْفُ.
فالجواب : قال القَاضِي : الفَائِدَةُ في ذَلِكَ بَيَان الدِّلالَتَيْنِ، فلكتاب يَدُلُّ على أمْرِ الله، ثم يُعْلَم مِنْهُ أمر الرَّسُولِ لا مُحَالَة، والسُّنَّة تدلُّ على أمْرِ الرَّسُول، ثم يُعْلَم مِنْهُ أمر اللهِ لا محالة، فَدَلّ قوْلُه :» أطيعوا الله وأطيعوا الرسول « على وُجُوب مُتَابَعَة الكِتَابِ والسُّنَّةِ.